¨°•√♥ منتديات الأصدقاء ♥√•°¨
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جرح ـآلقدر
مشرف قسم
مشرف قسم
جرح ـآلقدر


عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 15/05/2011

 وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي    وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Icon_minitimeالأحد مايو 22, 2011 11:01 pm


وسقط القناع


تأليف
سماحة الشيخ العلامة
أحمد بن حمد الخليلي




تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأوحده توحيد المؤمنين الموفين، وأنزهه عن كل نقص وتجسيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بعقيدة التوحيد الصافية والمحجة البيضاء النقية، وأدين إلى الله تعالى باتباع نور كتابه المنزل وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأعادي كل من يعاديهما ويصفهما بأن لا خير فيهما، وأبرأ إليه تعالى ممن انتحل الدين ليكيد لأهله، وأوالي أولياء الله تعالى المخلصين. وبعد:-
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطيب لنا أن نقدم إلى المسلمين هذه المحاضرة القيمة التي ألقاها سماحة العلامة الشيخ أحمد بن حمد ابن سليمان الخليلي المفتي العام للسلطنة رداً على رجل من الحشوية المجسمة الذين يطعنون في كتاب الله العظيم والسنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وهو المدعو عبدالرحيم الطحان.
يجيء نشر هذه المحاضرة نتيجة إلحاح كثير من المسلمين -من السلطنة وخارجها بمختلف مدارسهم الإسلامية- علينا بطبعها في كتاب، وفي هذا دليل على أن الأمة الإسلامية قد قَلَتْ هذه الطائفة الحشوية التي تلبس لبوس الإسلام زوراً وبهتاناً بعد أن تكشفت لها دخائلها الخبيثة، وللأسف الشديد فإن هؤلاء الحشوية تجدهم مصدر تخريب في كل المجتمعات التي يوجدون فيها، فما من فتنة إلا وهم وراءها لاسيما قتل الأبرياء وتفريق المسلمين، ولكن الله مظهر كيدهم وكاشف سترهم ومسقط قناعهم.
لا نريد أن نطيل التقديم فالمحاضر معروف والمحاضرة منتشرة بالتسجيل السمعي، وإنما نريد أن نذكر للقارئ الكريم -من خلال إخراج المحاضرة على هيئة كتاب- بأن أسلوب الشيخ حفظه الله تعالى هنا هو أسلوب الإلقاء وليس التحرير؛ وشتان ما بين الأسلوبين، على أن شيخنا الخليلي قد وهبه الله تعالى مقدرة بيانية في الإلقاء قوية تبز كتابة الأدباء، ربما لا يفوقها إلا قلم الشيخ نفسه.
وعملنا في هذه المحاضرة هو الإخراج الفني فقط وذلك بوضع العناوين والفهرسة والتخريج والتعليق وفي بعض الأحيان إصلاح العبارة كحذف المتكرر وسبق اللسان ونحوهما بما لا يخل بنسق النص ومعناه.
وقصدنا من وراء هذا كله وجه الله سبحانه وتعالى بتعميم الفائدة بين المسلمين.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نشكر الأخوة الأعزاء الذين شاركوا في هذا العمل الطيب؛ سواء بنقل المحاضرة من الأشرطة أو بالطباعة على الحاسب الآلي أو بالمراجعة، وندعو الله العلي القدير أن يرزقنا من واسع فضله وينفعنا بعلم الشيخ حفظه الله تعالى وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


خميس بن راشد بن سعيّد العدوي
ولايـــة بهــلا
الثلاثاء/ غرة ذي الحجة سنة 1417هـ.
الموافق/ 8 مـن إبريـل سـنة 1997م.


المقدمة
الحمد لله الذي يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وهو القائل في محكم كتابه: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون( ).
أحمده تعالى بما هو أهل له من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بدعوة الحق الجامعة وحجته الساطعة، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا هالك، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:-
فالسلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون ورحمته تعالى وبركاته.
إن من أسعد الفرص أن أتحدث إليكم في هذا الوقت المبارك في أمر يشغل بال المسلمين جميعاً، هذا الأمر يتعلق بوحدة هذه الأمة والمحافظة على كيانها، هذه الأمة التي تآمر عليها أعداء الله من الداخل والخارج فكادوا لها كيداً -ولازالت- منذ أن بعث الله فيها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم تلقى من أعداء الإسلام من التحديات ما يشيب منه الولدان، ولكن الله تعالى غالب على أمره هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( ) فكما أن الله سبحانه وتعالى نصر رسوله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الذين أحاطوا به من كل حدب وصوب وتآمروا عليه؛ من المشركين واليهود والمنافقين وغيرهم، فإن الله سينصر أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم الذين يحافظون على الدعوة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعون إلى وحدة الأمة واجتماع كلمتها وتألف قلوب أتباعها، فالله سبحانه وتعالى عندما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بعثه داعياً إلى الوحدة والتوحيد، ومن هنا يتبين أن أخطر أعداء هذه الأمة أولئك الذين يسعون إلى تفريقها وتمزيق شملها، ولا يزالون يفرون أديمها ويقطعون أوصالها بدعاياتهم الفاجرة( ).
ففي هذا الوقت الذي يئن فيه المسجد الأقصى المبارك -الذي هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى سيد الثقلين صلوات الله وسلامه عليه- تحت وطأة الاحتلال اليهودي البغيض( )، وفي هذا الوقت الذي يعاني فيه المسلمون في شتى بقاع العالم ما يعانونه من الويلات من جراء المؤامرات المختلفة عليهم، ومن ذلك تلك المأساة الكبرى التي في البوسنة والهرسك، حيث تنتهك أعراض المسلمين وتسفك دماؤهم وتزهق أرواحهم.
في هذا الوقت نفسه، هناك فئة ترتدي أردية الإسلام زوراً وبهتاناً، وتكيد له كيداً من الداخل، هذه الفئة كثيراً ما غرت الناس بشعاراتها البراقة، فقد حملت شعار السلفية -والسلف بريء منهم براءة المسيح عليه السلام ممن اتخذوه وأمه إلهين من دون الله- فكثيراً ما حاول هؤلاء أن يكيدوا كيداً لهذه الأمة من الداخل، ولست بمبالغ إن قلت: إن هؤلاء ورثوا عن اليهود مؤامراتهم ضد الإسلام كما ورثوا منهم عقائدهم الضالة، فإن ذلك أمر قد قاله غير واحد من العلماء المفكرين -علماء هذه الأمة( )- ولا ريب أن هذه الطائفة؛ وهي الطائفة الحشوية؛ التي تنتسب زوراً إلى السلف -والسلف كما قلت منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب- هذه الطائفة لا تزال تسعى إلى فرقة هذه الأمة، فتحرص كل الحرص على تقطيع أوصالها وإيقاد نار الفتنة فيما بينها، كأنما حملت على عاتقها مسؤولية تدمير هذه الأمة من الداخل، فهي منذ وجدت لا زالت تسعى سعياً حثيثاً لأجل بلوغ هذه الغاية، وكأنما لا يقر لها قرار ولا يهدأ لها بال حتى ترى صرح هذه الأمة قد دك دكاً دكاً.
هذه الفئة كثيراً ما سمعنا وقرأنا عنها مما كتبه عنها العلماء الذين عرفوا حقيقة أمرها، ولكننا كنا نظن بأن أولئك الكاتبين يبالغون عندما يكيلون التهم لها ويرمونها بما يرمونها به، وكنا نرد ما يقع من تصرفها إلى تبلد أذهانها وسوء طباعها وقسوة قلوبها وغلظ أكبادها، ما كنا نعلم علم اليقين بأن هذه الفئة تكيد للإسلام كيداً عن قصد وعمد، وأنها تسعى سعياً حثيثاً إلى تدمير كيان هذه الأمة، وتحاول بكل جهدها أن تمزقها كل ممزق، وأن تمكن لأعدائها منها حتى تكون أمة خاسئة ذليلة تابعة لأعدائها، ولكن مما سمعناه كثيراً من فلتات ألسنة هؤلاء الحشوية انبلج الصبح لذي عينين، فأصبح الأمر واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، وأيقنا أن هذه الفئة تحارب القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم كل محاربة، رغم أنها تنتمي -حسب زعمها- إلى السنة فهي ليست من القرآن الكريم ولا من السنة النبوية في شيء، والشواهد على هذا الذي أقوله كثيرة سواء كانت هذه الشواهد من تصرفاتها وأعمالها أو كانت من شهادة علماء الأمة الذين تحدثوا عنها، فقالوا فيها ما قالوا، ومن بين هؤلاء علماء المذاهب الأربعة بل من بينهم بعض علماء الحنابلة أنفسهم الذين شهدوا شهادة حق بأن هذه الفئة ليست من الإسلام في شيء، وبأنها أخطر على الإسلام والمسلمين من الكفار الصرحاء الذين كشفوا عن وجوههم ولم يحاولوا بأي وسيلة من الوسائل أن يغطوا معائبهم.
وإذا كان القرآن الكريم قد عني عناية بالغة بإبراز صفات المنافقين وكشف عوارهم والتنديد بهم أكثر مما عني بأمر المشركين وذلك لخطورة النفاق والمنافقين، فإن هذه الطائفة التي تتقمص السلفية وتنتسب زوراً إلى السنة هي أخطر وأشد ما تكون نكاية بهذه الأمة، فهي إذاً حرية بأن يكشف الستار عنها وتبين حقيقة أمرها حتى يتجلى للناس الحق واضحاً جلياً من غير شيء من الغموض.
كثيراً ما توافينا مؤلفات هؤلاء ومحاضراتهم وخطبهم وهي تسعى إلى تمزيق شمل هذه الأمة، فهي بمثابة المدى التي تفري أديمها وتقطع أوصالها وتمزع أشلاءها، وكثيراً ما لمسنا من هؤلاء الحشوية الخوف الشديد من اجتماع هذه الأمة وتآلفها، لأن شأنهم شأن الخفافيش التي لا تعيش إلا في الظلام، فهي تخشى كل الخشية من سطوع النهار، ذلك لأنهم يجدون فرصة في الظلام الدامس -ظلام تفرق هذه الأمة وتناحرها- لما يسعون إليه من بث مؤامراتهم في صفوفها، أما إن اتحدت هذه الأمة وسطع الضياء في حياتها سطوعاً واضحاً بيناً، فإن مؤامراتهم سوف تنكشف، وحقيقة أمرهم سوف تتجلى، ومن أجل ذلك يخشون كل الخشية من وحدة هذه الأمة.

سبب إلقاء المحاضرة
وفي الأيام الأخيرة استمعنا إلى محاضرة ألقاها أحد هؤلاء الحشوية يسمى عبدالرحيم الطحان، هذه المحاضرة لقيت كثيراً من المعارضة من الذين يحبون الخير لهذه الأمة، ويحبون لها أن تجتمع وتتوحد في ظل الإسلام الحنيف وفي ظل العقيدة الحقة على اختلاف مذاهبها، فإن المسلمين جميعاً يعظمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعظمون السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ويبذلون جهدهم أن يسعوا سعيهم ويسلكوا طريقهم ويقتفوا هديهم.
وقد جاءني أحد الأخوة من أتباع المذهب الشافعي بأشرطة هذه المحاضرة، وطلب مني أن أعقب عليها بما يكشف عوارها ويبين دسائسها ويكشف طوايا خبث قائلها الذي يسعى بكل جهده إلى تمزيق صف هذه الأمة كل ممزق.
جاء في هذه المحاضرة ما جاء من محاولة تفريق هذه الأمة، وذلك لأن المحاضر ألب الناس أيما تأليب على الإباضية أهل الحق والاستقامة، الذين يسعون إلى توحيد هذه الأمة وجمع كلمتها، وقد كان من ضمن الذي شغل باله وأقلق قلبه وأقض مضجعه ما قرأه في كتابنا "الحق الدامغ"( ) ذلك الكتاب الذي دفع الشُّبه التي نسجت حول الإباضية -أهل الحق والاستقامة- بما أبانه من دلائل حجتهم ووضوح معتقدهم وسلامة خطتهم، إذ هم يسعون إلى جمع صف هذه الأمة، وتأليف قلوبها حتى تكون كقلب رجل واحد، يصدق عليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))( ).
وأعظم ذنب ارتكبه الإباضية حسب ما في موازين الحشوية أنهم يحرصون على تنزيه الله سبحانه وتعالى وعلى توحيد هذه الأمة، والحشوية أعداء لذلك كله، فهم أعداء التنزيه لأنهم ورثوا عن اليهودية عقيدة التشبيه، ويسعون كل السعي إلى نشر هذه العقيدة في أرجاء الأرض، والتمويه على الناس بأنها عقيدة السلف الصالح، وأنها عقيدة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولعمر الحق إن بُعد هذه العقيدة عن الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وعن عقيدة السلف الصالح أوسع من بُعد الضراح عن الضريح، والثريا عن الثرى، والسماء عن الأرض، فشتان ما بين الحق والباطل وما بين الهدى والضلال، هذه العقيدة كما يقول كثير من المفكرين -الذين سننقل عنهم ما قالوا- هي خليط من عقائد السامريين وعقائد اليهود وعقائد النصارى وعقائد سائر المنحرفين عن طريق الحق والدين الحنيف.

عجز شبه الباطل
أمام دلائل الحق
وقد حاول الطحان أن يدحض حجة الحق بشبه الباطل التي حاول أن ينسجها ليموه بها على الناس ويحول بينهم وبين إدراك الحقيقة، ومن ذلك تلك الشبه التي حاول أن يلصقها بما قلناه في كتابنا "الحق الدامغ" في تفسير قول الحق تبارك وتعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة( ) فإنه حاول بكل جهده أن يقول بأن الذي قلناه كلام باطل وتلاعب بكتاب الله، وأنا فسرنا آيات الله تعالى بغير مراده سبحانه وتعالى، وأن النظر في هذه الآية وهي قوله تعالى: إلى ربها ناظرة ليس إلا بمعنى الرؤية، ولكنه لم يستطع بأي حال من الأحوال أن يأتي بنص الذي قلناه، ويحاول أن يحلله تحليلاً بحيث يبين بطلان أي شيء منه، وإنما حام حوله بهذه الشبه التي حاول بجهده أن يدحض بها حجة الحق، وأنا أعرض على المستمعين( ) ما قلته في "الحق الدمغ" ليتبين بهذا البُعد الشاسع بين كلامه وكلامنا، وأتحدى بما أورده هنا -من النص الذي قلته في "الحق الدمغ "- الحشوية بأن ينقضوا هذا الكلام جملة جملة( ) إن كانوا صادقين بأنهم على حق وأن الذي قلناه باطل.
قلت:-
(1 - قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وهو أقوى ما استندوا إليه في هذا الباب( )، واعترضوا بأن النظر أعم من الرؤية، فإنه يكون بمعنى محاولتها ولو لم تتحقق، لجواز أن يقول قائل: نظرت إلى كذا فلم أره مع عدم جواز أن يقول: رأيته فلم أره ففي القاموس ما نصه: (نظره كنصره وسمعه وإليه نظر ومنظراً ونظراناً ومنظرةً وتنظاراً تأمله بعينه) وفي شرحه للإمام الزبيدي نقلاً عن البصائر: (والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص.ثم قال الشارح: ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أولم تره)( ).
والطحان لم يأت بأي شيء يرد هذا الذي قلته هنا، ثم إنني استطردت فقلت:
(وقد شاع النظر بمعنى الانتظار كقوله تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ( ) وقوله: ما ينظرون إلا صيحة واحدة( ) وقوله: يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ( ) وعليه يتعين حمل النظر في الآية لوجوه:-
أ - إبعاد تأويل القرآن عن تعارض بعضه مع بعض، فإن حمل النظر في الآية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها القطعية، وستأتي إن شاء الله.
ب- الانسجام المعهود في آي القرآن وارتباط بعضها مع بعض، وهو لا يكون إلا بتفسير النظر بالانتظار، فإن الآيات قسمت الناس يومئذ إلى طائفتين، إحداهما: وجوهها ناضرة -أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله- إلى ربها ناظرة أي منتظرة لرحمته ودخول جنته، والأخرى: مباينة لها في أحوالها، فوجوهها باسرة -أي كالحة مكفهرة لما تتوقعه من العذاب- تظن أن يفعل بها فاقرة أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها، فنضارة هذه الوجوه مقابل ببسور تلك، وانتظار هذه لرحمة الله ودخول جنته مقابل بتوقع تلك للعذاب، ولو فسر النظر هنا بمعنى الرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات، وتفكك رباطها، وذهب انسجامها، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك من ظنها أمراً يقطع فقارها، ومثل هذه النكت البلاغية لا تفوت البلغاء في كلامهم؛ منثوره ومنظومه، فما بالكم بكلام الله تعالى الذي هو أدق في التعبير، وأبلغ في التصوير، وأكثر انسجاماً وأشد ترابطاً من كل كلام، كيف لا وهو كلام الله جل؟)( ).
نجد أن الطحان لم يتعقب هذا الكلام بما يدحضه ويبين أن فيه شيئاً من العوار.
ثم قلت:-
(ج- أن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما في خاتمة "عبس" وهو قوله سبحانه: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ( ) إذ لا فارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار، ووصفت به في آية القيامة من النظر بمعنى الانتظار، فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشر منتظر لما استبشر به.
د- أن تقديم المعمول على عامله يؤذن بقصره عليه، فتقديم إلى ربها على ناظرة يؤذن أنها لا تنظر إلا إليه وهو لا يتفق إلا مع تفسير النظر بالانتظار، فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غيره تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض، ورؤيتهم لما أعد الله لهم من النعيم.
وأنكر المثبتون للرؤية تفسير النظر بالانتظار من ثلاثة أوجه:-
أولها: أن في الانتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة)( ).وهذا هو الوتر الذي حاول أن يرقص عليه الطحان، فقد كرر ذلك كثيراً في كلامه، وحاول جهده أن يغطي بهذه الشبهة وجه الحق المشرق.
ثم قلت:-
(ثانيها: أن انتظار رحمة الله من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا، فكيف يوعدون به في الآخرة.
ثالثها: أن تعدية النظر بإلى تمنع من حمله على الانتظار، خصوصاً إذا أسند إلى الوجوه.
وكل ذلك مردود: أما الأول فلأن الآيات تصور لنا الموقف يوم القيامة قبل أن ينتقل الأبرار إلى دار الثواب، والفجار إلى دار العقاب، بدليل السياق في الآيات السابقة، وقوله سبحانه وتعالى في الأشقياء: تظن أن يفعل بها فاقرة يؤكده، فإن ذلك قبل دخول النار قطعاً، إذ لا معنى لظنهم ذلك بعد الدخول وقد لقوا ما لقوه وحلت بهم الفاقرة التي كانوا يتوقعونها، ولا ريب أن الناس في الموقف متباينة أحوالهم، فالأبرار ناضرة وجوههم بانتظارهم رحمة الله التي وعدوها، والفجار على خلاف ذلك، ولا يجوز إنكار هذا الموقف الذي يقفه الأبرار والفجار قبل انتقالهم إلى مقر الجزاء الدائم لأنه ثابت بالكتاب والسنة.
وأما الثاني فلبعد ما بين الانتظارين، فشتان بين حال من كان في الشهوات والنزغات غير عارف بخاتمته، ولا متيقن بمصيره، ومن طوى المراحل وتجاوز العقبات حتى تلقته الملائكة في زمرة السعداء ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( ).
وأما الثالث فلثبوت مجيء النظر بمعنى الانتظار حال تعديته بإلى بالنقول الثابتة والشواهد البينة ولا عبرة بمن أنكر ذلك:-
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم المـاء مـن سقـم
فمن النقول المصححة له قول صاحب اللسان: (يقول القائل للمؤمل يرجوه: إنما ننظر إلى الله ثم إليك أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك).
ومن شواهده ما رواه الإمام الحجة الربيع رحمه الله تعالى عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن أبي راشد أن مولاة لعتبة بن عمير قالت: (إنما أنظر إلى الله وإليك) فقال لها: (لا تقولي كذلك، وإنما قولي إنما أنظر إلى الله ثم إليك).
وقول جميل بن معمر:-
إذا نظرت إليك من ملك
وقول آخر:-
إني إليك لما وعدت لناظر
وقول غيره:-
كل الخلائق ينظرون سجاله والبحر دونك زدتني نعما

نظر الفقير إلى الغني الموسر

نظر الحجيج إلى طلوع هلال
ولا وجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو إلى غيرها فإنه تحكم لا دليل عليه، على أنه جاء بهذا المعنى مع إسناده إلى الوجوه في كلام العرب، ومنه قول حسان:
وجوه يوم بدر ناظرات
وقول البعيث:-
وجوه بهاليل الحجاز على الهوى إلى الرحمن يأتي بالفلاح

إلى ملك كهف الخلائق ناظرة
فإن قيل: إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه، فلذلك تعين حمل النظر في الآية على الرؤية لا على الانتظار، لأن الوجوه محل للأبصار التي هي آلة الرؤية، فجوابه: أن الرؤية أيضاً لا تكون بالوجوه وإنما تكون بالعيون فإسنادها إلى الوجوه غير وارد إذ لم يعهد قول أحد رأيته بوجهي، ويتعذر جواز ذلك قطعاً على رأي الذي ينكر المجاز مطلقاً أو في القرآن خاصة كما هو شأن كثير من مثبتي الرؤية( ) أما نحن فنحمل الوجوه على أصحابها لأن ذلك معهود عند العرب كقولهم: قصدت وجهك بمعنى قصدتك، فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنى، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله: تظن أن يفعل بها فاقرة( )،كما جاز إسناد الخشوع والعمل والنصب إليها في قوله تعالى: وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة}( ) ويؤكده قوله من بعد: تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع( ) فإن الصلى غير خاص بالوجوه، والسقي والطعام لأصحاب الوجوه قطعاً، ومثله إسناد النعمة والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى: وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية( ).
وبجانب كل ما ذكرته فإن تفسير النظر في الآية بالانتظار مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فقد أخرجه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الصحيح عن الإمام علي كرم الله وجهه من طريق أبي معمر السعدي كما أخرجه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق الضحاك بن قيس، وطريق سعيد بن جبير، وعزاه إلى مجاهد ومكحول وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب، ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما من الصحابة، وعن عكرمة من التابعين، ورواه عن عكرمة عبد بن حميد كما رواه عن مجاهد وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر وأخرجه الإمام ابن جرير عن مجاهد بخمسة أسانيد وفي كلامه إنكار صريح للرؤية، فقد جاء في رواية منصور عنه أنه قال: (لا يراه من خلقه شيء) وفي أخرى من طريقه أيضاً قال: (كان الناس يقولون في حديث "فيرون ربهم" فقلت لمجاهد: إن أناساً يقولون إنه يُرى. فقال: يَرى ولا يَراه شيء).
وفي تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي -وهو أحد علماء الشيعة الإمامية المعاصرين- ما نصه: (وفي العيون من باب ما جاء عن الرضى عليه السلام من أخبار التوحيد بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: قال علي بن موسى الرضى عليه السلام في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة: يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها قال: أقول: ورواه في التوحيد والاحتجاج والمجمع عن علي عليه السلام).
ومن أقطع الأدلة وأبين الشواهد على مجيء النظر معدى بإلى، وهو ليس بمعنى الرؤية قوله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة( ) فإنه لو حمل النظر في الآية على الرؤية لأدى إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يرى هؤلاء يوم القيامة، وهذا عين المحال، واعتقاده رأس الضلال، فإنه كفر بالله تعالى، ولا وجه لحمل النظر هنا إلا على الرحمة والإحسان، ومن هنا نتبين أن نظر القوي إلى الضعيف هو عطفه ورحمته وأن نظر الضعيف إلى القوي هو انتظار ذلك منه.
هذا وقد اتضح لك مما سبق أن الآية الكريمة تصور لنا حال الناس في الموقف قبل نقل السعداء إلى دار النعيم والأشقياء إلى نار الجحيم، ولئن كان النظر فيها بمعنى الرؤية وكان الراؤون له تعالى تنظر وجوههم بهذه الرؤية، لزم أن تشمل في هذه الحالة منافقي هذه الأمة لأنهم يشتركون مع مؤمنيها في الرؤية حسب ما يقتضيه حديث أبي سعيد وأبي هريرة عند الشيخين الذي يستند إليه مثبتو الرؤية كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقد أشكل على المثبتين للرؤية إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه، فترددوا بين القول بأن الرؤية بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة، وما هذا الاضطراب إلا دليل بيّن على أنهم غير مستندين إلى أصل فيما قالوه، ولو أنهم فهموا الآية الكريمة فهماً صحيحاً، وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة لسلموا من هذا الاضطراب، وبعدوا عن هذا التيه.
وقد أدرك المحققون المنصفون من معتقدي الرؤية ضعف الاستدلال على ثبوت الرؤية بهذه الحجة فصرحوا بذلك، فالسيد محمد رشيد رضا يقول في المنار: (وأما رؤية الرب تعالى فربما قيل بادئ الرأي إن آيات نفيها أصرح من آيات الإثبات، كقوله تعالى: لن تراني ( ) وقوله تعالى: لا تدركه الأبصار( ) فهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة على الإثبات، فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وكلام العرب، كقوله تعالى: ما ينظرون إلا صيحة واحدة( ) هل ينظرون إلا تأويله}( ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة( ) وثبت أنه استعمل بهذا المعنى متعدياً بإلى ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر -وهو توجيه الباصرة إلى ما تراد رؤيته- أنه أسند إلى الوجوه، وليس فيها ما يصحح إسناد النظر إليها إلا العيون الباصرة، وهو من الدقة كما ترى).
وقد سبق بيان ما أشار إليه أخيراً من استدلال حاملي النظر على الرؤية بإسناده إلى الوجوه والرد عليه.
وقال الإمام المحقق ابن عاشور في تفسير الآية: (فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ظنية لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادة)( ).
هذا الذي قلته نقلاً وتحقيقاً في "الحق الدامغ" في هذه الآية الكريمة، فهل ترون عليه شيئاً من العوار؟!.
وأنا أتحدى الحشوية بأن يأتوا بما ينقض هذا الكلام جملة جملة، وأتحداهم بأن يكشفوا بطلان ما فسرت به آية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة حتى نتبين الحقيقة ونستجليها رأي العين، ونحن لسنا شاكين والحمد لله في ذلك، ولكنني أظن أن الطحان لا يفقه شيئاً من هذا الكلام، فإنه من الجهالة بمكان حتى أنه لا يستطيع أن يفرق بين الرفع والجر، فكثيراً ما يأتي في كلامه بالحرف الجار ويأتي بالاسم المجرور من بعده مرفوعاً، فليته قبل أن يخوض غمار هذا الأمر درس شيئاً من مختصرات الإعراب حتى يستطيع أن يقوّم لسانه.
والذي يتأمل تعقيب الطحان على ما قلته في تفسير الآية الكريمة يجد بكل وضوح أنه حاول أن يكابر الحقيقة، بل حاول أن يغطي ضياء شمسها بضباب من أوهامه، فإنه حاول جهده أن يخدع الناس بأن هذه الآية هي في الجنة يوم القيامة بعد استقرار أهل السعادة فيها، وأن الانتظار عندئذ أمر متعذر، ونحن نثبت خلاف ذلك من خلال النظر إلى سياق الآية الكريمة، فإن الله سبحانه وتعالى بعد ما قال: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة أتبع ذلك قوله: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة فبالله عليكم، هل يمكن بأي حال من الأحوال أن يقال بأن هذا الظن من الوجوه الأخرى -الظن بأن يفعل بها فاقرة- بعد استقرارهم في النار واصطلائهم العذاب، والعياذ بالله؟! ليس الأمر كذلك، فإن هذه الآية في الموقف طبعاً.

موقف
علماء أهل السنة من الحشوية
ثم إننا نجد أن الطحان بسبب كساد بضاعته وقلة حصيلته من العلم، حاول بكل جهده أن يضفي على أهل الحق والاستقامة السباب، وما هذا إلا دليل إفلاسه من الحجة، فإن الذي يعتمد على السباب ما هو إلا مفلس من الحجة، وهذا هو شأن الحشوية، فإن كل همهم في سباب المسلمين مخالفة لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))( ) ومن سبابه لأهل الحق والاستقامة أنه سماهم أفراخ الخوارج، ونحن نريد أن نسأل الطحان إن كان أهل الحق والاستقامة في ميزانه هم أفراخ الخوارج!! فالحشوية أفراخ من؟!.
أنا لا أريد أن أنقل هنا شيئاً مما يقوله الإباضية في الحشوية، بل أريد أن أنقل ما يقوله أئمة المذاهب الأربعة في الحشوية، ومن بينهم المذهب الحنبلي الذي لزّ الحشوية أنفسهم به لزّاً، والتصقوا به في دعاياتهم الفاجرة التصاقاً، فإننا نجد أصحاب المذاهب الأربعة قالوا عن هؤلاء الحشوية بأنهم أفراخ اليهود والسامريين والنصارى، والدلائل على ذلك موجودة وهي كثيرة جداً.
ومن أئمة المذاهب الأربعة الذين قالوا ذلك العلامة تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه الذي سماه "دفع شُبه من شَبَّه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد" فقد جاء في مقدمة هذا الكتاب: (وبعد، فإن سبب وضعي لهذه الأحرف اليسيرة، ما دهمني من الحيرة من أقوام أخباث السريرة، يظهرون الانتماء إلى مذهب السيد الجليل الإمام أحمد، وهم على خلاف ذلك والفرد الصمد، والعجب أنهم يعظمونه في الملأ، ويتكاتمون إضلاله مع بقية الأئمة، وهم أكفر ممن تمرد وجحد، ويضلون عقول العوام وضعفاء الطلبة بالتمويه الشيطاني، وإظهار التعبد والتقشف وقراءة الأحاديث( ) ويعتنون بالمسند، كل ذلك خزعبلات منهم وتمويه، وقد انكشف أمرهم حتى لبعض العوام، وبهذه الأحرف يظهر الأمر إن شاء الله تعالى لكل أحد، إلا لمن أراد الله عز وجل إضلاله وإبقاءه في العذاب السرمد).
ثم استمر على ذلك إلى أن قال بعد ما وصف كلام كل من ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني من أئمة هؤلاء الحشوية المشبهة، وما جاء في كلامهم من التشبيه لله تبارك وتعالى بخلقه، قال في هؤلاء: (هي نزعة سامرية في التجسيم، ونزعة يهودية في التشبيه، وكذا نزعة نصرانية، فإنه لما قيل عن عيسى عليه السلام: إنه روح الله سبحانه وتعالى اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روح ولجت في مريم عليها السلام، وهؤلاء وقع لهم من الغلط من سوء فهمهم، وما ذلك إلا أنهم سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي إضافات، وليس كل مضاف صفة، فإنه سبحانه وتعالى قال: ونفخت فيه من روحي وليس لله صفة تسمى روحاً)( ) إلى آخر ما قاله.
ونجد أن العلامة الكبير الزبيدي الحسيني الشافعي قال في كتابه القيم "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" في الجزء الثاني (ص109) المطبوع بدار الفكر قال: (قال ابن القشيري: وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استزلالهم للعوام بما يقرب من أفهامهم ويتصور في أوهامهم لأجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم، يقولون: نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيهاً والأخبار المقتضية حداً وعضواً على الظاهر، ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شيء من ذلك. ويتمسكون بقول الله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله وهؤلاء -والذي أرواحنا بيده- أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، لأن ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون، وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون، فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع، وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول، والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات، فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات، فاعتقد الفضائح، فسال به السيل وهو لا يدري).
ونجد أن كثيراً من العلماء والأئمة من المذاهب الأربعة تحاملوا تحاملاً شديداً على أئمة هؤلاء الحشوية، وأخرجوهم من حظيرة الإسلام رأساً، ومن بين أئمة الحشوية الذين ضللهم أتباع المذاهب الأربعة، وهم -كما قلت- يلزون أنفسهم بهذه المذاهب الأربعة، ويلصقونها بهم، من بينهم مجدد النحلة الحشوية ابن تيمية الحراني، فقد ضلله العدد الكثير من أئمة المذاهب الأربعة، من بين هؤلاء العلامة ابن حجر الهيثمي، فقد قال في كتابه " الفتاوى الحديثية" في (ص203): (وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟! وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم، وخرقوا أسياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم، وليسوا كذلك) وقال في حاشيته على مناسك الإمام النووي في (ص 214) طبعة دار الفكر: (ولا يغتر بإنكار ابن تيمية بسن زيارته صلى الله عليه وسلم، فإنه عبد أضله الله كما قال العز بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بعجيب، فإنه وقع في حق الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً، فنسب إليه العظائم كقول: إن لله تعالى جهة ويداً ورجلاً وعيناً، وغير ذلك من القبائح الشنيعة، ولقد كفره كثير من العلماء، عامله الله بعدله، وخذل متبعيه الذين نصروا ما افتراه على الشريعة الغراء).
وقال أيضاً في كتابه "الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم": (فقلت: كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله، كما رآه التقي السبكي بخطه؟ وأطال -أعني ابن تيمية- في الاستدلال بذلك بما تمجه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وإنه لا تقصر فيه الصلاة، وإن جميع الأحاديث الواردة فيه موضوعة، وتبعه بعض من تأخر من أهل مذهبه، قلت: من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه؟! وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة، وحججه الكاسدة، حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة: عبد أضله الله تعالى على علم وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه وبوأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان) ومن أراد الاطلاع على هذا النقل فلينظر إلى كتاب "فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان" للعلامة سلامة القضاعي الشافعي في (ص131-132).
وقال أيضاً العلامة ابن حجر الهيثمي في شرح الشمائل: (قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية: إنه ذكر شيئاً بديعاً وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربه واضعاً يده بين كتفيه، أكرم ذلك الموضع بالعذبة. قال العراقي: لم نجد لذلك أصلا -يعني من السنة، قال ابن حجر: بل هذا من قبيح رأيهما وضلالهما إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الاستدلال له، والحط على أهل السنة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية لله تعالى، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان ويقضى عليه بالزور والبهتان، قبحهما الله وقبح من قال بقولهما، والإمام أحمد وأتباع مذهبه مبرؤون عن هذه الوصمة القبيحة، كيف؟ وهي كفر عند كثيرين) انتهى كلام الحافظ الهيثمي في ابن تيمية مجدد النحلة الحشوية التي سار عليها هؤلاء الذين يشنعون على أهل الحق والاستقامة بما يشنعونه عليهم.
ويقول الإمام إبراهيم الباجوري شارح جوهرة التوحيد للعلامة اللقاني في (ص183): (ولقد أسرف بعض الناس في هذا العصر، فخاضوا في متشابه الصفات بغير حق، وأتوا في حديثهم عنها بما لم يأذن به الله، ولهم فيها كلمات غامضة، تحتمل التشبيه والتنزيه، وتحتمل الكفر والإيمان، حتى باتت هذه الكلمات نفسها من المتشابهات، فهم قوم قد تصوروا الذات الإلهية كما صورتها لهم أخيلتهم، ثم راحوا يستنهضون ظواهر بعض الآيات من كتاب الله إلى تلك الأخيلة لتصدقها، ومن الزيغ أنهم يواجهون العامة وأشباههم بما اعتقدوه، ومن المؤسف أنهم ينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح، ويخيلون إلى الناس أنهم سلفيون ومن أقوالهم أن الله تعالى يشار إليه بالإشارة الحسية، وإن له من الجهات الست جهة الفوق، وإنه استوى على عرشه بذاته استواءً حقيقياً، بمعنى أنه استقر استقراراً حقيقياً، غير أنهم يعودون بالقول بأنه ليس كاستقرارنا، وليس لهم مستند في ذلك إلا التشبث بالظواهر، ولقد تجلى مذهب السلف والخلف آنفاً، وفيه أن حمل متشابهات الصفات على ظواهرها مع القول بأنها باقية على حقيقتها ليس رأياً لأحد المسلمين، وإنما هو رأي لبعض أصحاب الأديان الأخرى كاليهود والنصارى وأهل النحل الضالة كالمشبهة والمجسمة، أما المسلمون فأمور العقائد عندهم معتمدة على الأدلة القطعية التي تواترت على أنه تعالى ليس بجسم، ولا متحيزاً ولا متجزءاً ولا متركباً، ولا محتاجاً لأحد لا مكاناً ولا زماناً ولا حالاً فيها، ولقد جاء القرآن الكريم بهذا في محكماته) ثم أورد طائفة من آيات الكتاب العزيز.
فترى أنه نسب عقيدة هؤلاء إلى اليهود والنصارى وأهل النحل الضالة، فإذاً هؤلاء هم أفراخ أولئك إن كان الطحان يرى أن الإباضية -أهل الحق والاستقامة- هم أفراخ الخوارج بحسب ما يحلو لذوقه السقيم.
ولنترك ما يقوله علماء المذاهب الثلاثة الحنفية والشافعية والمالكية، ولنأت إلى ما يقوله أحد علماء الحنابلة، مع أن هؤلاء الحشوية يتقمصون المذهب الحنبلي، فهذا العلامة الكبير أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي الحنبلي يقول في مقدمة كتابه "دفع شُبه التشبيه بأكف التنزيه": (ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبدالله بن حامد وصاحبه القاضي وابن الزاغوني، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين ولهوات، وأضراساً وأضواءً لوجهه هي السبحات، ويدين وأصابع وكفاً، وخنصراً وإبهاماً، وصدراً وفخذاً، وساقين ورجلين، وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا: يجوز أن يَمس ويُمس، ويدني العبد من ذاته وقال بعضهم: ويتنفس. ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة، لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من صفات الحدوث، ولم يقتنعوا بأن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على بر ولطف، وساق على شدة بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة. والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أصحاب السنة.وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوام)( ).
فترون أن ابن الجوزي في هذا الكلام يسخر حتى من انتساب أولئك إلى أهل السنة، بل جاء في كلامه ما يخرجهم من حظيرة الإسلام رأساً في مواضع متعددة، أذكر منها موضعين:-
الموضع الأول: جاء في (ص151) من الكتاب المذكور حسب طبعته الأخيرة، إذ طبع في دار الإمام النووي، جاء فيه: (قال: روى ابن حامد المجسم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولما أسري بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد له نور يتلألأ، وقد نهيت عن وصفه لكم، فسألت ربي أن يكرمني برؤيته، وإذا هو كأنه عروس حين كشف عن وجهه، مستو على عرشه -قال ابن الجوزي- قلت: هذا الحديث كذب قبيح ما روي قط لا في صحيح ولا في كذب، فأبعد الله من عمله، فقد كنا نقول ذلك في المنام، فذكر الوضاع هذا في ليلة الإسراء كافأهم الله وجزاهم النار، يشبهون الله سبحانه بعروس!! لا يقول هذا مسلم) فترون أنه نفى الإسلام عن من يقول مثل هذا الكلام.
الموضع الثاني: جاء في نفس الكتاب في (ص274): (وقال ابن حامد المجسم: رأيت بعض أصحابنا يثبتون لله وصوفاً في ذاته بأنه يتنفس.قال: وقالوا: الرياح الهابة مثل الرياح العاصفة والعقيم، والجنوب والشمال، والصبا والدبور، مخلوقة إلا ريحاً من صفاته هي ذات نسيم حياتي وهي من نفس الرحمن قلت( ): على من يعتقد هذا اللعنة، لأنه يثبت جسداً مخلوقاً، وما هؤلاء بمسلمين).فترون أن ابن الجوزي نفى عنهم الإسلام، ولئن لم يكونوا مسلمين فما هم إلا كفار، فهذا نص أحد أئمة الحنابلة بل هو من أكبر علمائهم.
ولندع هؤلاء جميعاً لننظر إلى كلام أحد العلماء الذين اجتاحهم تيار الحشوية العارم، وهو العلامة السيد محمد رشيد رضا الذي عصفت به العواصف فألقته في قاع من عقيدة الحشوية، وذلك واضح في تفسيره المنار عندما يأتي إلى الآيات المتشابهات، فإنه عندما يتحدث عن أي آية من هذه الآيات يحاول جهده أن يحملها على ظاهرها، وكثيراً ما ينقل في تفسيره نصوص كلام إماميه في ذلك ابن تيمية وابن القيم، ويقول بنفسه بأنه قد تأثر بهما تأثراً بالغاً، وقد أطال في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران:هو الذي أنزل على عبده الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} أطال في تقرير هذه العقيدة الباطلة الضالة، ولكنه مع ذلك اعترف اعترافاً صريحاً بأن اليهود الذين شبهوا الله سبحانه وتعالى بخلقه عجزوا عن الجمع بين نصوص التوراة حتى يحملوا متشابهها على محكمها، وهذا الأمر هو عينه الذي وقعت فيه الحشوية، وقد نص على ذلك في كتابه "الوحي المحمدي" فانظروا إلى (ص146) إذ جاء فيها: (إن الركن الأول والأعظم من هذه الأركان، وهو الإيمان بالله تعالى قد ضل فيه جميع الأقوام والأمم، حتى أقربهم عهداً بهداية الرسل، فاليهود على حفظهم لأصل عقيدة التوحيد، قد غلب عليهم التشبيه، وغاب عنهم أن يجمعوا بين النصوص المتشابهة في صفات الله وبين عقيدة التنزيه، وقد جعلوا الله كالإنسان يتعب، ويندم على ما فعل كخلقه الإنسان لأنه لم يكن يعلم أنه سيكون مثله أو مثل الآلهة، وزعموا أنه كان يظهر في شكل إنسان حتى أنه صارع إسرائيل ولم يقدر على التفلت منه حتى باركه فأطلقه، وعبدوا بعلاً وغيره من الأصنام)( ).
فترون أنه يثبت بأن منشأ ضلال اليهود هو كونهم عجزوا عن الجمع بين النصوص المتشابهة وبين عقيدة التنزيه، وهذا الأمر عينه هو الذي وقعت فيه المجسمة الحشوية، فإنهم عجزوا عن ذلك، بل أخلدوا إلى الأخذ بالآيات المتشابهة وتركوا الأخذ بالآيات المحكمة، ولم يجمعوا بينهما بما يجعل الإنسان يفهم مقاصد تلك الآيات المتشابهة بناءً على ما فهم من الكلام العربي، من حيث إنه يعبر تارة عن المراد به بطريقة الحقيقة، وتارة يعبر عنه بطريق المجاز.

الحشوية
هم الخوارج
ولئن كان الطحان يريد أن يلصق الإباضية بالخوارج سواء أيده الواقع أو لم يؤيده، فلننظر إلى الخوارج وماذا عاب عليهم المسلمون؟ إن أعظم شيء عابه المسلمون على الخوارج هو أنهم حكموا على المسلمين بأحكام الكفرة المشركين، وعاملوهم معاملتهم فاستباحوا دماءهم وأموالهم، وهل الحشوية أقل شأناً في هذا الأمر من الخوارج؟!.
نحن ننظر إلى ما ارتكبه الحشوية في المسلمين من الفضائع، فنرى الصورة الخارجية واضحة جلية فيهم، فقد أتوا بالعجب العجاب فيما ارتكبوه، وحكموا على المسلمين بالكفر الصراح أحكاماً صريحة ظاهرة، ومن شاء أن يتتبع أحكامهم على المسلمين، وكيف أخرجوهم من الملة والدين، واعتقدوا فيهم أنهم مشركون، فليرجع إلى كتاب "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"( ) فإنه سيجد في ذلك العجب العجاب، ولست هنا بصدد نقل نصوص من ذلك الكتاب، وإنما أريد أن أنقل نصوصاً من كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" الذي ألفه أحد علمائهم وهو عثمان بن بشر النجدي الحنبلي، ونشرته مكتبة الرياض الحديثة بالمملكة العربية السعودية، فإن في هذا الكتاب من تعسف هؤلاء الحشوية ومعاملتهم للمسلمين معاملة الكافرين الصرحاء ما تشيب منه الولدان، ولا أريد أن أنقل كيف عاملوا غير أصحاب المذاهب الأربعة بل أقتصر على ذكر معاملتهم لأصحاب هذه المذاهب وأكثرهم حنابلة.
يقول المؤلف المذكور في (ص15): (ثم أمر الشيخ( ) بالجهاد وحضهم عليه، فامتثلوا فأول جيش غزا سبع ركايب، فلما ركبوها وأعجلت بهم النجائب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها، فأغاروا أظنه على بعض الأعراب فغنموا ورجعوا سالمين) فما هو الموجب للإغارة على هؤلاء الأعراب؟! وما هو المسوغ لأخذهم مالهم غنيمة؟!.
ثم قال بعد ذلك: (وكان الشيخ -رحمه الله- لما هاجر إليه المهاجرون، يتحمل الدين الكثير في ذمته لمؤونتهم وما يحتاجون إليه، وفي حوائج الناس وجوائز الوفود إليه من أهل البلدان والبوادي، ذكر لي أنه حين فتح الرياض وفي ذمته أربعون ألف محمدية فقضاها من غنائمها) مع أن أهل الرياض كانوا حنابلة لكنهم استباحوا أموالهم، فترى أنه قضى أربعين ألف محمدية من أموال أهل الرياض، كيف استباحوا ذلك من هؤلاء الناس؟! أليسوا أهل عقيدة؟! ألا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله؟! إلا يدينون لله سبحانه بالوحدانية؟! أما كان في كلمة "لا إله إلا الله" معصم لهؤلاء؟!.
ثم قال: (وكان لا يمسك على درهم ولا دينار، وما أوتي إليه من الأخماس) ولنقف عند كلمة الأخماس، فإنه لا يخمس إلا ما يغنم من مال المشرك( )، أما مال المسلم فلا يمكن أن يخمس بأي حال من الأحوال.
يقول: (وما أوتي إليه من الأخماس والزكاة يفرقه في أوانه، وكان يعطي العطاء الجزيل بحيث إنه يهب خمس الغنيمة العظيمة الاثنين أو الثلاثة، فكانت الأخماس والزكاة وما يجبى إلى الدرعية من دقيق الأشياء وجليلها تدفع إليه بيده، ويضعها حيث يشاء).
ويقول في (ص46) عندما تحدث عن أحداث سنة 1176هـ: (وفيها سار عبدالعزيز -رحمه الله- بالجيوش المنصورة إلى الأحساء وأناخ( ) بالموضع المعروف بالمطريفي في الأحساء، وقتل منهم رجالاً كثيراً نحو السبعين رجلاً، وأخذوا أموالاً كثيرة، ثم أغار على المبرز فقتل من أهلها رجالاً، ثم ظهر من الأحساء راجعاً فلما وصل العرمة وافق قافلة لأهل الرياض وأهل خرمة معها أموالاً، فأخذ أهل الرياض وترك أهل السدير لأجل هدنة بينه وبينهم، وفيها نقض أهل وثيثة العهد وحاربوا المسلمين وقتلوا عبدالكريم بن زامل، وفيها غزا عبدالعزيز سبيع في الموضع المسمى "سيح الديول" وأخذ عليهم نحو مائتي بعير).فانظروا أولاً كيف استباح أن يقتل الناس بدون حجة أو موجب للقتل، ثم بجانب ذلك أخذ من الأموال ما أخذه بغير حق، أخذ نحو مائتي بعير على قوم يدينون بشهادة أن لا إل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جرح ـآلقدر
مشرف قسم
مشرف قسم
جرح ـآلقدر


عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 15/05/2011

 وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي    وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Icon_minitimeالأحد مايو 22, 2011 11:01 pm

صفحات ناصعة
من سيرة الإباضية
والإباضية الذين قلت فيهم -يا طحان- بأنهم أفراخ الخوارج، إن كنت لا تدري ما سيرتهم فإنني سوف أنقل لك هنا بعض ما دونوه في فقههم من أحكام الجهاد، وأنقل لك أيضاً بعض تصرفهم في ميادين القتال عندما يواجهون أعداءهم من البغاة الذين اعتدوا عليهم، فهم أبعد ما يكونون عن سفك دماء المسلمين، وأكثر احتياطاً، ولا يغنمون شيئاً من أموالهم مهما كان بغيهم.
 حكم أهل البغي عند الإباضية:-
فهذا الإمام نور الدين السالمي -رحمه الله تعالى- في كتابه "جوهر النظام" عندما تكلم في أحكام الجهاد تحدث عن أهل البغي، فذكر أنهم -ولو قوتلوا- لا يحل شيء من أموالهم، وذلك الذي أطبقت عليه جميع كتب الإباضية، ولكن أنقل لك هنا نص كلام الإمام السالمي حيث قال:-
ومال أهل البغي لا يحـل وإن يكن قوم له استحلوا
ثم ذكر مَن هؤلاء الذين استحلوا أموالهم:-
خوارج ضلت فصارت مارقة
فحكموا بحكم المشركينا
فعرضوا للناس بالسيف كما
وأمة المختار فارقتهم
ووردت فيهم عن المختار
وفـيـهم المروق يعرفــنا من دينها صفرية أزارقة
جهلاً على بغاة المسلمينا
قد استحلوا المال منهم مغنما
وضللتهم وفسقتهم
جملة أخبار مع الآثار
ومـنـهـم لا شك نبرأنا
ثم احتج بفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يحرصون على عدم غنم أموال أهل التوحيد فقال:-
ولم يكن غنم بيوم الجمل
كذاك يوم الدار أيضاً لم يكن
فعلهم الحجة فيما فعلوا
ولم يكن للعمرين فيهم
لأن خصمهم بالارتداد
تأول السابي لهم يوم دبا
وزعم الغلاة أن هذا
تعلقوا فيه بنفس الـزلــل ويوم صفين وسبي من علي
سبي ولا غنم فكيف يقبلن( )
ونقلهم فيما له قد نقلوا( )
سبي ولا غنم كما قد زعموا
يدعون لا بالبغي والفساد
وأنكر الفاروق ذاك المذهبا
وجه يكون لهم ملاذا
وما أتى م نحو ذا لم يقبـل( )
بل أصحابنا أهل الحق والاستقامة -رحمهم الله تعالى- لا يرون جواز الإجهاز على الجريح إن كان من أهل البغي ولم يكن من المشركين، ولا يرون جواز إتباع الهارب منهم، اللهم إلا أن يكون لهم مأرز يرجعون إليه، وحمى يحتمون به وقوة يلوذون بها، وفي هذا تحدث الإمام السالمي -رحمه الله تعالى- حيث قال:-
فإن أبى فإنه يقاتل( )
من غير أن يغنم ماله ولا
كذاك لا يتبع منهم مدبر
إلا إذا كان لهم سلطان
فـيـتبع المدبر والجريـح وتقطع الأسباب والوسائل
تسبى ذراريه فكل حظلا
كذا الجريح ما عليه يجهز
يمدهم أو لهم أعوان
يـجـاز إذ بغيهم صريح
وفي هذا استدل أيضاً بفعل الصحابة:-
لذا علي كان في يوم الجمل لم يتبع المدبر بل منه حظل( )


 سيرة الإمام طالب الحق الكندي في اليمن:-
وأما إن سألت عن سيرة أهل الحق والاستقامة، فأريدك أن تقرأ بعض ما كتبه الكاتبون من غير الإباضية، فانظر- إن شئت- ما حفظه المؤرخون عن سيرة الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي وقائده أبي حمزة المختار بن عوف( )، ومن بين هؤلاء الذين كتبوا عن سيرة هذين الإمامين الجليلين الصالحين -رحمهما الله تعالى- البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف" والأصفهاني في كتابه "الأغاني".
ومما ذكر من سيرتهما أن أبا حمزة عندما واجه جموع البغاة في قديد فاعترضوهم، حاول أن يقيم الحجة عليهم قبل أن تكون هناك مناوشة، وحاول أن يقنعهم بأنه ما قام أشرًا ولا بطرًا وإنما قام لإظهار الحق وإقامة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فما كان من أولئك البغاة إلا أن عتوا واستكبروا استكبارًا، ولكن أبا حمزة مع ذلك قال لأصحابه:(لا تبدأوهم بالقتال) حتى رمى أولئك البغاة بسهامهم في جند أبي حمزة فأصابوا رجلاً من جنده، فقال لأصحابه: (دونكم الآن فقد حل قتالهم).
فانظر كيف يحتاط الإباضية أيما احتياط عندما يواجهون أعداءهم البغاة، ولا يستحلون حتى سفك دمهم إلا بطريق واضح لا غبار عليه بعد أن يقيموا عليهم الحجة، وبعد أن يبدأ أولئك البغاة بالقتال.
وعندما دخل الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي -رحمه الله تعالى- صنعاء بعدما هزموا القائد الأموي القاسم بن عمر الثقفي، عامله الإمام عبدالله بن يحيى الكندي معاملة حسنة فلم يحز غلصمته، أو يقطع رأسه، بل لم يصنع به أي شيء، وإنما أخرجه ومن معه وهم سالمون من كل أذى.
ووجد الإمام طالب الحق الأموال الكثيرة التي جباها هذا العامل من الناس وتكدست في خزينته، وكان الإمام طالب الحق وأصحابه في فقر مدقع وهم بحاجة ملحة إلى المال، ولكنهم لم تشرئب أعناقهم إلى هذه الأموال بل قسموها بين أهل صنعاء، يقول في ذلك البدر الشماخي في كتابه " السير" في ص(99) من الطبعة الأولى( ): (وخلص لعبدالله وقسم ما وجد من مال على فقراء صنعاء، قصد إليهم ابن خيران وعبدالله بن مسعود وغيرهما من المسلمين فأتوا من الخزانة إلى المسجد، فقسمه عبدالله على فقراء صنعاء، ولم يأخذ منه شيئاً ولم يستحل منه لأصحابه متاعاً).
وفي هذا يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى:-
وطالب الحق بصنعا حكما
لم يأخذن عند مضيق يومه
تعففاً منهم ومن كمثلهم
كانوا يموتون على ما أبصـروا بجعلها في أهلها واحتشما
شيئاً لنفسه ولا لقومه
أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
من الهدى ما بدلـوا أو غيروا( )
ثم إن الإمام طالب الحق –أيضاً- عامل هذه المعاملة الحسنة إبراهيم بن جبلة الذي كان والياً على حضرموت من قبل بني أمية، فأباح له أن يخرج من حضرموت وقال له: (إما أن تقيم عندنا وإما أن تشخص ولا عليك حرج في ذلك) فاختار الخروج، فخرج إلى القاسم الثقفي في صنعاء ولم يعترضه الإمام طالب الحق.( )
لم يفعل كما يفعل هؤلاء الحشوية عندما ينتصرون على أحد من المسلمين، يحرصون كل الحرص على إبادتهم وقطع دابرهم واستئصال شأفتهم، ولم تسلم منهم الحوامل ولا الأجنة التي في الأرحام.
 سيرة الإمام أبي الخطاب المعافري في طرابلس والقيروان:-
وكان الإمام أبو الخطاب المعافري( ) - الذي عقدت عليه الإمامة في بلاد المغرب بطرابلس- له دور عظيم في نشر الحق وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قام في بداية أمره على عامل أبي جعفر المنصور ببلاد طرابلس، فانتصر عليه إلا أنه لم يتشف منه بعد انتصاره عليه، بل خيره بين المقام معهم على أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم، وبين أن يخرج آمناً مطمئناً، لا يكدر له صفو ولا يسفك له دم، ولا ينتهك له عرض، ولا يؤخذ عليه مال، فاختار الخروج، فخرج إلى بلاد المشرق وهو آمن مطمئن.
وهذا الإمام نفسه عندما بلغه استصراخ امرأة من القيروان من جور ورفجومة -وهي قبيلة صفرية خارجية كانت تعيث فساداً في بلاد القيروان- فقد كتبت إليه رسالة تشكو إليه الجور والخوف وعدم الطمأنينة، حتى أنها كانت تخفي ابنتها في حفرة تحفرها خشية أن يسبيها هؤلاء الخوارج الصفرية، عندما وصل كتابها إلى الإمام بكى من ذلك وقال: (لبيك يا أختاه) وخطب بعد صلاة أقامها وحض الناس على الجهاد، فخرج مجاهداً إلى تلك القبيلة العاتية التي كانت مستولية على القيروان، وعندما وصل إلى القيروان أمر أصحابه ألا ينتهكوا عرضاً، ولا يأخذوا مالاً، فإن أولئك مهما كان بغيهم هم من أهل التوحيد، ولا يباح شيء من أموالهم قط، ولا يباح إلا سفك دمهم بسبب بغيهم حتى يعودوا إلى الحق.
وفي هذا يقول العلامة الدرجيني في كتابه "طبقات المشائخ بالمغرب"( ) حاكياً ما حصل بعد هذه الوقعة التي انتصر فيها الإمام رحمه الله تعالى ومن معه من المسلمين يقول: (وحدث بعض أصحابنا أن شيخاً من شيوخ القيروان بعث ابناً له يرتاد مزرعة كانت له بالقرب من منزل عسكر أبي الخطاب، فقال: (يا بني، اذهب وانظر هل بقي في مزرعتنا شيء؟) قال: فخرج الغلام إلى المزرعة فوجدها سالمة لم ينلها فساد، فرجع الغلام إلى أبيه فأخبره، فتعجب لذلك، وعجب الناس لعدل أبي الخطاب وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وكان من مقالة الشيخ المذكور إذ ذاك لمن حضره من أهل القيروان: (أتظنون أن أبا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبله ديناً وفضلاً؟ وأن سيرتهم كسيرته حسناً وعدلاً؟ كلا والله أين مثل أبي الخطاب في سيرته وعدله وفضله.؟).
ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن امرأتين قد خرجتا من القيروان حين فتحها الله لأبي الخطاب بعد هزيمة أهلها، فنظرت إحداهما إلى القتلى مزملين في ثيابهم كأنهم رقود، فقالت لصاحبتها: (انظري إليهم كأنهم رقود) فسمي ذلك الموضع "رقادة" إلى اليوم) ثم يقول بعد ذلك: (ولما دخل أبو الخطاب المدينة أمر أهل المدينة يخرجوا إلى قتلاهم ليدفنوهم).
ثم تحدث بعد ذلك عن وقفة وقفها أبو الخطاب عندما وجد أحداً من جند عدوه القتلى قد أُخِذَ سلبه، فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بسبب هذا التصرف المخالف لشريعة الله، يقول العلامة الدرجيني: (وقد أمر أبو الخطاب من يتفقد القتلى، فوجد قتيلاً واحداً منهم مسلوباً، وأمر منادياً ينادي في عسكره: (من نزع عن أحد من القتلى شيئاً فليردده) فلم يرد أحد شيئاً، فعلم أن سالبه عمل غير صالح، فلما أيس من رد سلب القتيل المذكور طوعاً ومخافة من عقاب الله تعالى، دعى أبو الخطاب ربه عز وجل أن يفضحه ويظهره على أعين الناس، فأمر أبو الخطاب فرساناً من عسكره بأن يخرجوا ويجروا خيلهم بين يديه وكان فيهم رجل فارس من سدراته، فلما أجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتي، فوجد كساءً سفسارية تحت سرجه، فسقطت الكساء على أعين الناس، وقيل: بل كان جبة حرير) ثم يقول بعد ذلك: (كل ذلك من الكرامات، فأخذه الإمام رحمه الله وعزره حسب ما اقتضاه الاجتهاد) يعني أن الإمام عزر أحد جنوده بسبب هذه المخالفة التي وقع فيها فلم يسكت عنها، لا كما تفعل الحشوية حيث تستبيح الأموال وتنتهك الأعراض.
ثم يقول العلامة الدرجيني: (وبلغنا أن أبا الخطاب رضي الله عنه لما هزمهم أحسن فيهم السيرة، وأمر أصحابه ألا يتبعوا مدبراً ولا يجهزوا على جريح، فقال رجل من لواتى من معسكر أبي الخطاب يقال له خالد: (نأكل من أموالهم كما يأكلوا أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة أحلت لهم، فقال أبو الخطاب رحمه الله: (إن فعلنا كما فعلوا فحق على الله أن يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم، فنكون كما قال الله تعالى: كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ( ).
هذا هو تصرف الإباضية الذين جعلتهم أيها الحشوي أفراخ الخوارج.
يا طحان، حاولت برحاك أن تطحن حجة الحق الدامغة، وأن تلبس الحق بالباطل، وأن تصور أهل الحق في صورة أهل الباطل، ولكن يأبى الله ذلك، فالشواهد قائمة والبينة ظاهرة، ونحن نعلم يقيناً أن الإباضية في جميع أدوارهم يتحرجون كل التحرج من مال الموحد مهما كان، ولو أبيح دمه بسبب بغيه.
 سيرة الإمام عزان بن قيس في عُمان:-
ومما ذكره إمامنا نور الدين السالمي رحمه الله تعالى في كتابه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان" أن الإمام العدل عزان بن قيس رضي الله تعالى عنه( ) قام على طائفة باغية في أطراف بلاد عمان، فلما ذهب إليهم بجنده نزل في قرية، وتلك القرية كانت مشهورة بجودة الأنبا -أي شجر المانجو- فنزل أصحابه تحت ظلال تلك الأشجار، وكان ذلك وقت ثمرها، فتساقط الثمر في أوعيتهم وفرشهم، فما مد أحد منهم يده ليأخذ شيئاً من هذه الثمار، إلا أحد الجند أخذ ثمرة واحدة فزجره الإمام عن ذلك زجراً شديداً، وشدد عليه التقريع واللوم على ذلك( ) وإن لم يعاقبه فإنه ربما نظر إلى أن هذه الثمرة سقطت بنفسها ولم يمد يده ليأخذها، فمن أجل ذلك ترك عقوبته، لكن مهما يكن من أمر فإن ذلك دليل واضح على أن أهل الحق والاستقامة يتحرجون تحرجاً شديداً من أموال أهل التوحيد.
 دور الإباضية في حرب النصارى وطرد المستعمرين:-
إننا نسأل هؤلاء الحشوية الذين يزعمون أنهم سلفية، وأنهم على طريق الحق، وأنهم يغارون لدين الله، من قاتلوا من المشركين؟! هل خرجت حروبهم عن الجزيرة العربية التي هي مهد الإسلام، والتي ظلت على دين الإسلام منذ بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم؟ هل كانت الجزيرة العربية في يوم من الأيام مرتدة عن دين الإسلام، حتى يستبيحوا حرم أهلها، فيسفكوا دماءهم، ويأخذوا أموالهم، ويعاملوهم معاملة المشركين، يزهقون أرواحهم وأرواح الأجنة في أرحام نسائهم؟!.
أما الإباضية -أهل الحق والاستقامة- فإن تأريخهم حافل بمواجهة أعداء الإسلام في كل مكان سواء كان ذلك في المشرق أو في المغرب.
ففي بلاد المشرق هنالك الكثير من الوقفات التي وقفها أئمة الإباضية وسادتهم وقادتهم في مواجهة الكفرة وصد هجماتهم ذباً عن دين الله سبحانه وتعالى.
 دور الإمام الصلت بن مالك في طرد نصارى الحبشة:-
من ذلك أن نصارى الحبشة أغاروا على بلاد سقطرى، فكتبت امرأة -بعدما استبيحت الحرمات في تلك البلدة- قصيدة غراء إلى الإمام الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله تعالى( ) الذي كان بعمان، وجاء في تلك القصيدة التصوير البالغ لأفعال أولئك الكفرة، الذين استباحوا ما استباحوه من أعراض النساء المسلمات بما يندي الجبين ويدمع العين، ومما جاء فيها:-

ما بال صلت ينام الليل مغتبطاً
وفي سقطرى حريم باد بالنهب
قل للإمام الذي ترجى فضائله
بأن يغيث بنات الدين والحسب
فقام الإمام وجند الأجناد وأرسل أسطولاً يتكون من مائة سفينة وسفينة، وأمر على الأسطول قائدين من أصحابه، وكتب إليهم عهداً يبلغ خمساً وعشرين صفحة، فيه ما يجب أن يتبينه كل مسلم من سيرة الإباضية، حيث أمرهم ألا يذعروا أحداً حتى أولئك النصارى حتى يقيموا عليهم الحجة، ويدعوهم إلى الإسلام أولاً، فإن أبوا فليدعوهم إلى تسليم الأمر وقبولهم أن يكونوا في ذمة المسلمين، فإن أبوا فليقاتلوهم.
فنصر الله سبحانه وتعالى المسلمين، وهزم القوم الكافرين( ).
 دور اليعاربة في تطهير البلاد الإسلامية من البرتغاليين:-
ومن ذلك أيضاً ما قام به الإمام الفاتح المظفر ناصر بن مرشد اليعربي رحمه الله تعالى( )، إذ قام على البرتغاليين الذين كانوا يجتاحون بلاد الخليج، وقد اجتاحوا كثيراً من بلاد الإسلام في الشرق( )، فقام عليهم وأجلاهم من بلاد الخليج، ثم قام بعد ذلك خلفاؤه من بعده بإجلاء أولئك البرتغاليين من شواطيء شرق إفريقيا، وشواطيء بلاد فارس، وشواطيء بلاد الهند ومن غيرها، فكان انتصارا مظفراً( ).


 دور إباضية تونس في حماية جزيرة جربة من الأسبان:-
وأما بلاد المغرب؛ فكانت كذلك هنالك جولات لأصحابنا أهل الحق والاستقامة سواء الذين هم في تونس أو الذين هم في الجزائر في مواجهة الكفرة.
ومن ذلك ما كان من أهل جزيرة جربة -وهي جزيرة صغيرة يحيط بها البحر من جهاتها الأربع- في مواجهة أساطيل الأسبان الذين كانت ترهب أساطيلهم الشمال الأفريقي بأسره، فقد واجهوهم بقوة وعزم وحزم، وإن كنت يا طحان ومن معك من الحشوية تجهلون ذلك فاسأل التأريخ الذي كتبه غير الإباضية، واسأل التأريخ الذي كتبه النصارى أنفسهم عن هؤلاء الإباضية -أهل الحق والاستقامة- كيف واجهوا أولئك النصارى في تلك الديار؟ وكيف أنزلوا بهم الهزائم المتلاحقة؟ وتكفي تلك الهزيمة النكراء التي أصيب بها أولئك النصارى بقيادة الإمام المظفر أبي النجاة يونس بن سعيد التعاريتي والإمام أبي زكريا يحيى السمومني، وكان ذلك في السنة السادسة بعد التسعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فقد هزموا أسطولاً يتكون من مائة وعشرين سفينة، فيه عشرون ألفاً من المقاتلين المدججين بالسلاح المزودين بأحدث ما ابتكره الإنسان في ذلك الوقت من وسائل الإبادة والتدمير.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يحقق لهؤلاء الإباضية -أهل الحق والاستقامة- كرامة، إذ عصفت العواصف بالنصارى بعد ما انهزموا ورجعوا إلى سفنهم، فتكسرت تلك السفن وتحطمت وهلك منهم خلق كثير، كما دون ذلك التاريخ( ).
 دور إباضية الجزائر في الدفاع عن العاصمة الجزائرية:-
عندما نزل الأسبان بالعاصمة الجزائرية( )، واجههم الإباضية -أهل الحق والاستقامة- حيث جاءوا من وادي ميزاب على بعد أكثر من ستمائة كيلومتر لينصروا إخوانهم المسلمين بالعاصمة الجزائرية، فأبلوا بلاءً حسناً، وقدرت لهم الدولة العثمانية هذا الدور الإيجابي الفعال الذي فعلوه، لذلك اختصتهم ببعض المزايا.( )
هكذا يصنع الإباضية، وتلك هي صنائع الحشوية الذين ما كان منهم إلا سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم، وما كان منهم إلا إخافة المسلمين، ولم تسلم منهم حتى الأجنة؛ أجنة المسلمين في أرحام الأمهات فالله تعالى المستعان.

اعتراف...
وإنكار...!!
ومن الدواهي التي جاء بها هذا الطحان أنه حاول أن يشنع على أهل الحق والاستقامة بسبب تفرقتهم في تفسير النظر، بين النظر المذكور في سورة الأعراف في قوله تعالى: ربي أرني انظر إليك ( ) وبين النظر المذكور في سورة القيامة في قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( ).
ولست أدري هل هذه مكابرة للحقيقة، ومحاولة لتكذيب العقل السليم، أو أن ذلك عائد إلى جهل هذا الطحان وعدم تفرقته بين ما تدل عليه هذه القرينة وما تدل عليه تلك من الكلام، فهو نفسه ذكر في كلامه أن النظر يأتي لمعانٍ، وأقر أن النظر يأتي لمعان متعددة، أوصلها إلى أربعة معان، وقد نص على ذلك في كتب اللغة العربية، ومع ذلك كله نجد أنه يحاول أن يلبس الحق بالباطل في هذه القضية، مشوهاً صورة أهل الحق والاستقامة، عازياً إليهم الباطل وهم براء منه.
فهناك -يا طحان- فرق كبير ما بين هاتين الآيتين، ذلك لأن قوله تعالى في سورة الأعراف: ربي أرني انظر إليك اقترن فيه النظر بذكر الرؤية، كما يدل أيضاً قوله سبحانه وتعالى في الرد على هذا الخطاب في قوله: لن تراني على أن المقصود بالنظر هنا الرؤية.
أما في قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فإن تلك الآية يقتضي سياقها خلاف ما تذهب إليه يا طحان، كيف وهي مسبوقة بقوله تعالى: ناضرة الذي يدل على النضارة والبهجة والحسن، وجاء بعدها قوله سبحانه وتعالى: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة أي تظن أمراً يقطع فقار ظهورها، فهذه ناضرة، وتلك باسرة، وهذه إلى الله ناظرة أي منتظرة لرحمته ودخول جنته، وتلك بخلاف ذلك أي تتوقع أمراً يقطع فقار ظهورها تظن أن يفعل بها فاقرة فشتان ما بين هذا المعنى وذلك المعنى، وإن خفي ذلك على مثل فهمك المؤوف، فإنه -بطبيعة الحال- يرجع إلى سوء فهمك ولا يرجع إلى الحقيقة التي تحاول أن تكابرها وتنكرها.
وقول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة هو كقوله تعالى: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ( ) لا فرق بين هذا وذاك، وخير ما يفسر القرآن الكريم القرآن نفسه، وأقوى حجة في فهم معنى القرآن هو ما جاء من نصوص القرآن نفسه.
افتراء وجرأة
على الكتاب والسنة
ولكنك -يا طحان- كيف يمكنك أن تبلغ مثل هذه الحقائق وأنت المجترئ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قلت فيهما قولاً عظيماً: تكاد السموات والأرض يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ( ) ذلك لأنك قلت في كتاب الله سبحانه وتعالى بما يجعلك خصماً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عندما قلت: (لا خير في قرآن بلا سنة، ولا خير في سنة بلا فهم لسلفنا الكرام) وقلت: (فكل من يدعو إلى كتاب بلا سنة فهو ضال، وكل من يدعو إلى كتاب وسنة بلا فهم لسلفنا الأبرار فهو ضال)(*) فاجترأت بوقاحتك وبسوء عقيدتك وبجرأتك على ربك تبارك وتعالى أن نفيت الخير عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى وصف الكتاب العزيز بخلاف ما قلته، ولم يأت في كتاب الله شيء ينفي الخير عنه، ولم يأت فيه شيء ينفي الخير عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالله تعالى يقول في هذا الكتاب العزيز: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( ) ويقول سبحانه: تلك آيات القرآن وكتاب مبين، هدى وبشرى للمؤمنين ( ) ويقول عز من قائل: تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين ( ) ويقول الله سبحانه: لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ( ).
وأنت -يا أيها الطحان- اجترأت على الله سبحانه وتعالى فقلت هذا القول العظيم في كتابه، ونفيت الخير عنه وجعلته مجرد قنطرة عبور إلى غيره، من أين لك ذلك؟!!.

وسقط القناع...!!
هنا سقط برقع الحشوية إذ يتبرقعون باسم السلفية، ويدَّعون زوراً وبهتاناً أنهم من أتباع سلفنا الصالح -الصحابة والتابعين- شتان بين الصحابة والتابعين وبين هؤلاء الحشوية الذين يقولون على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يأذن به الله.
اقرأ يا طحان قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( ) سماه الله روحاً لأن الأرواح تحيا به، كما أن الأجساد تحيا بالأرواح، وسماه نوراً لأن البصائر تستهدي به، ولكن أي بصائر هذه؟! إنما هي بصائر المؤمنين، لا بصائر الحشوية الذين يجترئون على الله فيصفونه بصفات خلقه، والذين يجترئون على كتاب الله فيكذبونه، إذ ينفون الخير عنه.
ويقول الله سبحانه وتعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ( ) فالله تعالى سمى هذا القرآن شفاءً وسماه رحمة للمؤمنين، ولكن مع ذلك لا يزيد الظالمين الذين يجترئون عليه فيكذبونه ويردونه من أمثال الحشوية إلا خساراً.
وقد بلغ الأمر بالحشوية أن اجترأوا هذه الجرأة العظيمة التي أسقطت قناعهم، وفضحت عوارهم، وبينت دخائلهم، وكشفت حقيقة أمرهم للمؤمنين، فقد وضح الصبح لذي عينين من كلام هذا الطحان عندما وصف هذا القرآن بما وصفه به، على أن القرآن الكريم يأمرنا عند الاختلاف أن لا نحتكم إلا إلى القرآن نفسه وإلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يقول: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( ).
كيف تجترئ -يا طحان- على أن تجعل القرآن الكريم مجرد قنطرة عبور وتنفي عنه الخير، والله سبحانه وتعالى يقول فيه: يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم، وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً ( ) وقد صدق الله سبحانه وتعالى عندما وصف المنافقين بما وصفهم به إذ قال: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ( ) وقال: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ( ).
فالضالون هم الضالون والمنافقون هم المنافقون في كل عصر، لقد انكشفت دخائلكم يا معشر الحشوية من خلال هذا الكلام الذي تلقفتموه بالقبول ونشرتموه في أرجاء الأرض، هذا دليل على أنكم جميعاً مواطئون للطحان فيما يقوله، مجامعون له في هذا الاعتقاد الخبيث في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ اعتقاد نفي الخير عن كتاب الله وعن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، يقول الله تعالى في كتابه: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ( ) ويقول سبحانه: قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ( ).ويقول: فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ( ).
ويقول سبحانه: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون ( ).
ويقول سبحانه: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ( ) إي وربي إنه لهدى ورحمة للمؤمنين.
ويقول سبحانه: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ( ).
ويقول عز من قائل: إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ( ).
ويقول سبحانه: إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ( ).
ويقول تعالى: كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون ( ).
ويقول سبحانه وتعالى: قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء لم يقل لا خير فيه بل قال: قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ( ) نعم، الحشوية المجسمة الذين يكذبون كتاب الله سبحانه وتعالى هو في آذانهم وقر وهو عليهم عمى، لذلك اجترأوا على هذا الكتاب العزيز فوصفوه بما وصفوه به، وهو دليل على أنهم يحاربون عقيدة الإسلام بل يحاربون نفس الإسلام، إذ هم يبطنون الكيد له ويحيكون المؤامرات ضد أهله.
يقول الله سبحانه: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( ) فالله سبحانه وتعالى يسر هذا القرآن للذكر وقال: هل من مدكر؟.
ثم قال فيه سبحانه أيضاً: ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( ).
وقد أنذر الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين يجترؤون على كتابه بالرد والإعراض والصدّ عنه فقال: وقد آتيناك من لدنا ذكراً من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملاً ( ).
هذه عاقبة الحشوية الذين يكذبون كتاب الله.
هذه عاقبتك يا طحان إن لم تتب إلى ربك، وتقلع عن غيك، وتؤمن بكتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، على أننا نقول: إن كنت تقصد بهذا الكلام أن كتاب الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى البيان والإيضاح، فمهما يكن من أمر لا يجوز لأحد أن يجتري على أن يقول: كتاب الله لا خير فيه. ونحن نقول بأن كثيراً من آيات الكتاب فصلت تفصيلاً كما أخبر الله سبحانه وتعالى بأنه كتاب فصلت وبينت آياته في آيات متعددة، فالكتاب العزيز كثير من قضاياه جاءت مفصلة مبينة لا سيما تلك القضايا التي تتصل بالعقيدة، فلا يمكن أن يقال بأن التمسك بها لا خير فيها، على أن كتاب الله سبحانه وتعالى قد نقل إلينا نقلاً تواترياً فلا يجوز لأحد أن يشك في حرف منه، فقد أجمعت الأمة على نقله جيلاً بعد جيل منذ نزوله على قلب النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا هذا، فلا ريب في أي شيء جاء به القرآن الكريم.
ونصوص القرآن الكريم في كثير من القضايا -كما قلت- نصوص واضحة ظاهرة، فيجب الاحتكام إليها، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحجة بعد كتاب الله، والله تعالى أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا ينطق عن الهوى، وأخبر عن قوله بأنه وحي يوحى بقوله سبحانه وتعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( ) فيجب التسليم بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوتاً جازماً من غير أن يكون هناك أي تردد، على أن الناس جميعاً -وإن عظمت أقدارهم، وكثرت علومهم، وعظم فضلهم- فهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرفع كلامهم إلى منزلة كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب أن ينزل كلام كل أحد منزلته، فكلام الناس جميعاً إنما يجب أن يعرض على كلام الله وعلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام هما الميزان العدل الذي يفرق به بين الحق والباطل، والمحك الذي يتبين به الهدى والضلال، والغي والرشد، والاستقامة والانحراف، ومهما يكن من أمر فإن المسلم الحق لا يتردد في قبول شيء مما جاء من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما أولئك الذين فسدت فطرهم، وانحرفت عقائدهم، وضلت عقولهم، فهم الذين يقدمون كلام غير الله سبحانه وتعالى على كلامه، ويقدمون حديث الناس على ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويردون الحق بالباطل، لا إله إلا الله، ما هذه المصيبة التي حلت بالإسلام؟!.
كيف يجتري هؤلاء في بلاد الإسلام وبين أوساط المسلمين على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
أين غيرة أولي البصائر من المسلمين؟!
على أن هذا ليس ببعيد إذا نظرنا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال عليه أفضل الصلاة والسلام: ((لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) ( ) فإن الله سبحانه وتعالى يقول في أهل الكتاب -الذين هم أسلاف هؤلاء الحشوية كما تبين لنا-: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ( ) وعندما قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم لم يعبدوهم) قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليسوا قد أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم)) قال له: (بلى) قال: ((فتلك عبادتهم إياهم)) ( )
فتحليل الحرام وتحريم الحلال عدها الله تبارك وتعالى عبادة لهؤلاء الذين يخالفون أمره ويجانفون الحق الذي أنزله، فكيف بهؤلاء الذين يجترؤون هذه الجرأة الوقحة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى حد أن يقولوا بنفي الخير عنهما.
ولا ريب أننا ونحن نسمع مثل هذه الفلتات التي تنم عن خبث طوايا هؤلاء الحشوية، وعن محاربتهم للحق وللإسلام، ومحاولتهم الصدّ عن سبيل الله وصرف المسلمين عن كتابه الكريم وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نتذكر ذلك الوصف العجيب الذي ذكره الله عز وجل في المنافقين عندما قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ( ) فإن فلتات ألسنتهم وبوادر كلامهم تنم عن خبث طواياهم وتكشف حقيقة أمرهم، وقد تبين لنا من خلال هذا الذي سمعناه من هذا المحاضر -الطحان- ومن غيره من هؤلاء الحشوية، خبث المقصد، فهم يكيدون كيداً والله سبحانه يكيد لهم كيداً، فقد كشف الله سبحانه وتعالى عوارهم، وأسقط برقعهم من فلتات ألسنتهم، فقد تبين بهذا أنهم معادون لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هم إلا امتداد لأولئك المنافقين الذين تقمصوا الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل الكيد للإسلام والمسلمين، وما هذا إلا حلقة في سلسلة مؤامراتهم على الإسلام.
وقد يقول قائل: بأن هؤلاء الحشوية لعلهم غير مجمعين على هذا الرأي، ولعلهم لا يجامعون الطحان على هذه العقيدة؛ عقيدة أن القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير فيهما وأنهما مجرد قنطرة عبور يتوصل بهما إلى ما قاله أسلافهم من لي أعناق الآيات حتى تتفق مع أهوائهم وخرافاتهم وبدعهم.
والجواب عن ذلك: أن الحشوية لو لم يكونوا مجامعين للطحان في هذا المعتقد وراضين بهذا المقال، ومشاركين له في هذه المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين لما طاروا فرحاً بهذه المحاضرة، ونشروا أشرطتها في أرجاء الأرض، فلا تكاد مكتبة من مكتبات الحشوية تخلو من العدد الهائل من أشرطة هذه المحاضرة التي فيها هذه المحاربة الصارخة الصريحة لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كانت الحشوية غير موافقة للطحان في هذا الذي قاله لأعلنت الرد عليه، وقد مضى وقت على إلقائه هذه المحاضرة فمن ذا رد عليه يا قوم؟! ( ).
هل رد عليه أحد؟ أو أنهم حرصوا كل الحرص على نشر هذا الهراء، ونشر هذا الباطل في أرجاء الأرض إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً( ).

افتراء الطحان
على سلف الأمة
ثم إن الطحان حاول أن يكابر الحقيقة عندما ادعى أنه لم يقل بما فسرنا به قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة أحد من السلف.
ما المراد بكلمة "السلف" في كلامه؟.
هل المراد بذلك السلف الصالح؟ أو أن المراد بذلك سلف الحشوية الذين يقدمون كلامهم على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك واضحاً في كلامه الذي نقضناه قبل قليل.
فإن كان المراد بقوله السلف؛ سلف الحشوية فمالنا ولهم، فقد نابذناهم من أول الأمر بأن رجعنا إلى كتاب الله الذي كفروا به وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي جحدوها؛ بقولهم: (لا خير فيها).
وإن كان المراد بالسلف؛ سلف هذه الأمة الصالحين، فإن السلف قد قالوا قولنا، وقد سبق أن ذكرت( ) ذلك فيما حكيته من النص الذي جاء في "الحق الدامغ"( ): رواه الإمام الربيع رحمه الله تعالى عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما وعزاه إلى مجاهد ومكحول وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما من الصحابة وعن عكرمة من التابعين، ورواه عن عكرمة عبد بن حميد، كما رواه عن مجاهد وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت أن الإمام ابن جرير الطبري رواه عن مجاهد بخمسة أسانيد( ).
أما الدعوى التي ادعاها هذا الطحان وهي أن السلف كانوا يهابون تفسير مجاهد لأنه كثيراً ما كان يأخذ عن أهل الكتاب، وأنه كان تارة يرجع إلى رأيه بنفسه وتارة يفسر القرآن بما يقوله أهل الكتاب، فنحن نعترض على هذه الدعوى الفارغة الباطلة بأمرين:-
الأمر الأول:-
أن أهل الكتاب ما كانوا في يوم من الأيام ينزهون الله سبحانه وتعالى، وهل هم إلا أئمة لهؤلاء الحشوية الذين شبهوا الله بخلقه، فاليهود هم الذين قالوا لموسى عليه السلام: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ( ) فهل عرف ذلك الطحان أو لم يعرف؟! لعله يجحد ما في كتاب الله سبحانه وتعالى!! فالله سبحانه وتعالى أخبر عن اليهود بذلك، وبين بأنها عقيدتهم، ورد عليهم قولهم في حقه سبحانه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً: إن الله فقير ونحن أغنياء ( ) وقد جاء في توراتهم المحرفة أن إسرائيل صارع الإله فصرعه، فهل هؤلاء ينكرون الرؤية؟!.
وأما النصارى فقد أثبتوا حلول اللاهوت في الناسوت وقالوا: بأن الله ثالث ثلاثة. وقالوا في عيسى ابن مريم: أنه هو الله. كما نص القرآن الكريم على ذلك، فهل كان هؤلاء يجحدون رؤية الله سبحانه وتعالى حتى يقال: بأن مجاهداً أخذ هذا التفسير عنهم.
الأمر الثاني:-
أننا نجد سلف الحشوية الذين يعتز بهم الطحان، يقولون بخلاف ذلك، فيكفي هنا أن أنقل نصاً عن ابن تيمية الذي هو في مقدمة أئمة هؤلاء الحشوية الذين يعتز بهم الطحان، ويقدم كلامهم على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
فابن تيمية يقول في مجموع فتاواه في ج13، ص368-369: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر، فإنه كان آية في التفسير، كما قال ابن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها. وبه إلى الترمذي: حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال: ما في القرآن آية إلا وقد سمعنا فيها شيئاً. وبه إليه قال: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعشى قال: قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. وقال ابن جرير: حدثنا أبو جريج قال: حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواح قال: فيقول ابن عباس: اكتب. حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) وجاء هذا الكلام أو نحوه في أصول التفسير لابن تيمية أيضاً في ص93.
فليرجع الطحان إلى هذين المصدرين.
فهل يؤمن بما قاله ابن تيمية مع أنه يقدم كلامه على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو لا يؤمن بذلك؟!!.

بضاعة كاسدة
واستدلال سخيف
ثم إن الطحان حاول أن يجتر ما قيل من قبل، وهو ذلك الاستدلال السخيف الضعيف في قول الله تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( ) على ثبوت رؤيته سبحانه وتعالى في الدار الآخرة وقد سبق أن اعترضت على هذا الاستدلال بقولي في كتاب "الحق الدامغ":-
(وهو استدلال ساقط من عدة أوجه:-
أولها: أن الحجاب في الآية كناية عن الحرمان من رحمته والإبعاد عن دار كرامته، كما أن التقرب منه سبحانه وتعالى لا يكون حسياً إنما يفسر بامتثال ما أمر به من الطاعات، واجتناب مانهى عنه من المعاصي، وكذلك تقرب الله من العبد لا يعني إلا إحاطته برعايته الرحمانية وغمره باللطافة الربانية، وقد وردا معاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: ((من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً)) وبهذا المعنى الذي ذكرته فسر قتادة وابن أبي مليكة الحجاب في هذه الآية، رواه عنهما ابن جرير.
ثانيها: أنه استدلال بمفهوم المخالفة وهو حجة ظنية، اختلف العلماء بالأخذ بها في الأمور العملية الفرعية، فكيف بالقضايا الاعتقادية الأصلية مع أن الاعتقاد ثمرة اليقين، على أن المفهوم هنا أقرب أن يكون مفهوم لقب وهو أضعف المفاهيم بإجماع الأصوليين والفقهاء وسائر أصحاب فنون العلم، حتى أنهم عدوا من أخذ به من الفقهاء في الفروع شاذاً.
ثالثها: أنه لو جاز الاستناد إلى هذا المفهوم في إثبات رؤية المؤمنين لله يوم القيامة، لكان أحرى أن يستند إلى مفهوم يفيده التقييد بـيومئذ في إثبات رؤية الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم، فإن الظروف لها حكم الصفات في تقييد النسبة، ومفهوم الوصف من أقوى المفاهيم كما حرره الأصوليون، قال الإمام نور الدين السالمي رضي الله عنه في "شمس الأصول":-
فالوصف والغاية الشرط معا
أقوى مفاهيم وأجلى موقعا)( )
ومن الغريب أن هؤلاء الحشوية عندما تقهرهم الحجة، ويعجزون عن دحض البرهان إنما يكتفون بالدندنة حوله، ولا يحاولون تحليل ما جاء في ذلك الاحتجاج الذي يهد عقائدهم ويقضي على ضلالاتهم، فترى أن الطحان اكتفى هنا بمجرد هذه الدندنة، وغاية ما قاله: إن الاستدلال بالمفهوم هنا يتقوى بالمنطوق، والمنطوق الذي يشير إليه هو قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقد علمت ما في الاحتجاج بذلك، وقد بينا ما عجز عن دحضه أولئك الحشوية، وإنما اكتفوا بالدندنة فقط.
وقد سبق أن قلت في هذه المحاضرة بأن على الحشوية أن ينقضوا الذي قلته في تفسير تلك الآية حجة حجة، وجملة جملة، وألا يكتفوا بالدندنة حوله كما فعل الطحان.

الحشوية المشبهة
والمتشابه من القرآن الكريم
ثم إنه مما يستغرب جداً من هذا الطحان تلك الدعوة الفارغة الكاذبة إذ قال: بأن الإباضية ومن قال بقولهم أخذوا بالمتشابه وتركوا المحكم.
من الذي يأخذ بالمتشابه؟!
هل هم الإباضية الذين يردون الآيات المتشابهات إلى الآيات المحكمات عملاً بقول الله تبارك وتعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ( ) وصفها الله تعالى بأنها "أم" والأم: الأصل، فالمتشابه يرد إلى المحكم.
أو أن الذين يأخذون بالمتشابهات ويدعون المحكمات هم الحشوية الذين شبهوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، وأخذوا يتتبعون الآيات المتشابهات، كما قال الله سبحانه وتعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( ) فوصفوا الله تعالى بجميع صفات خلقه، حتى أنهم جعلوه كأنه إنسان يمشي على الأرض فيه كل ما في الإنسان من الجوارح والانفعالات، حتى أن ابن القيم منهم نسب إليه النسيان( ) أخذاً بظاهر قوله تعالى: نسوا الله فنسيهم ( ) ونسى قول الله تعالى: وما كان ربك نسياً ( ) حمل النسيان على ظاهره فقال: (تأمل كيف عدل فيهم كل العدل بأن نسيهم كما نسوه) كما جاء ذلك منصوصاً عليه في كتابه "مختصر الصواعق المرسلة"( ).

خبر الآحاد
وشذوذ الحشوية عن الأمة الإسلامية
ونجد أن هذا الطحان يحاول أن يثير الشبه في منهجنا، حيث أخذ يعجب الناس من كون كتابنا "الحق الدامغ" اشتمل على كثير من الروايات التي أخرجها الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكنا نستدل بهذه الروايات لما ذهبنا إليه، بينما نحن لا نأخذ ببعض الروايات الموجودة في الصحيحين التي أخرجها الشيخان عندما تتعارض عند مذهبنا حسبما يرى هذا الطحان، والحقيقة أن معتقدنا -كما قلت- هو الكتاب والسنة، فنحن نستند إلى الدليل القطعي، وكل ما في القرآن الكريم هو قطعي، وأما السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ فالسنة المتواترة قطعية الدلالة عندما تكون نصاً في الموضوع، أما عندما تحتمل أكثر من معنى فإنها تكون قطعية المتن ظنية الدلالة.
ومن ناحية أخرى لا نعتمد على الأحاديث الآحادية إلا في القضايا الفقهية، أما في القضايا الاعتقادية فإننا نرجع إلى المتواتر القطعي، ولا نتركه من أجل الخبر الآحادي الظني، وهذا الذي عليه الأمة إلا الحشوية، فإنهم يذهبون خلاف هذا الرأي.
ومما يميز به بين الحديث الصحيح الثابت إن كان آحادياً وبين غير الصحيح موافقة القرآن وعدم موافقته، ولذلك كان السلف من الصحابة والتابعين عندما يروي لهم راوٍ حديثاً يشمون منه رائحة مخالفة القرآن لا يأخذون به حتى في الأمور الظنية، كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه في قصة فاطمة بنت قيس( )، وكذلك كان مثل ذلك موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله)) ومثل ذلك كان أيضاً موقف حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فإنه عارض حديث الحكم بن عمرو الغفاري الذي ينص على تحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير، بسبب ما رآه من معارضة بينه وبين آية من كتاب الله وهي قول الله سبحانه وتعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة...  ( ) الآية، كما جاء ذلك في صحيح مسلم من رواية الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنه.
هذا هو موقف السلف، وقد نص على ذلك كثير من أئمة الحديث، وقالوا: إن الحديث يرد إذا كان معارضاً لكتاب الله.
فنحن عندما نجد أحاديث في الصحيحين لا تتفق مع النصوص القطعية الثابتة -نصوص الكتاب العزيز- نحاول جهدنا أن نجمع بين هذه الأحاديث وبين تلك النصوص بضروب من التأويل حتى لا نرد حديثاً، فإن تعذر التأويل عندئذ نترك الأخذ بالحديث ونقطع بصحة ما في الكتاب العزيز.

موقف
الحشوية من الصحيحين
ومما يعجب منه كثيراً أن نجد هؤلاء الحشوية يشنعون علينا عندما نترك بعض الروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم، بينما هناك أكثر من تسعين عالماً ردوا روايات من أحاديث الشيخين وهم من أئمة الحديث.
ومن بين هؤلاء الذين ردوا هذه الروايات شيخا الحشوية اللذان جددا نحلتها ابن تيمية وابن القيم، فقد ردا مجموعة من الأحاديث التي جاءت في الصحيحين، كما يعلم ذلك من تتبع مؤلفاتهما.
على أنه مما يدعو إلى الاستغراب ويثير العجب العجاب أن نجد هؤلاء الحشوية يعتمدون على الحديث الآحادي الذي يخالف دلالة القرآن الكريم ويستندون إليه في إثبات العقيدة، بينما نجدهم يردون أحياناً الحديث الآحادي الذي وافق نصوص القرآن الكريم في إثبات قضية من قضايا العقيدة، ومن ذلك صنيع ابن تيمية فإنه قد أنكر أشد الإنكار على ابن حزم الذي نقل في كتابه "مراتب الإجماع":- (الإجماع على كفر من نازع أن الله سبحانه وتعالى لم يزل وحده ولا شيء معه) فقد تعجب ابن تيمية من ذلك وقال في هذه القضية: (وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه وتعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه( )، ثم خلق الأشياء كما شاء، ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب الله ولا تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذي في الصحيح عنه حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض)) وروي هذا الحديث في البخاري بثلاثة ألفاظ( )، روي: ((كان الله ولا شيء قبله)) وروي: ((ولا شيء غيره)) وروي: ((ولا شيء معه)) والقصة واحدة ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال واحدة من هذه الألفاظ، والآخران رويا بالمعنى، وحينئذ والذي يناسب في لفظ ما أثبت عنه في الحديث الآخر الصحيح، أنه كان يقول في دعائه: ((أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)) فقوله في هذا ((أنت الأول فليس قبلك شيء)) يناسب قوله: ((كان الله ولا شيء قبله)) وقد بسط الكلام على هذا الحديث وغيره في غير هذا الموضع).
ثم قال بعد هذا الكلام بقليل: (وهذا الحديث لو كان نصاً فيما ذكر فليس هو متواتراً، فكم من حديث صحيح ومعناه فيه نزاع كثير، فكيف ومقصود الحديث غير ما ذكر...الخ)( ).
ومن المعلوم قطعاً أنه لا تعارض بين الروايات الثلاث التي ذكرها، وقد أسند هذه الروايات الثلاث كلها إلى البخاري، والموجود في البخاري روايتان: ((كان الله ولا شيء قبله)) والرواية الثانية: ((كان الله ولا شيء غيره)) وقد روى غير البخاري الرواية الثالثة كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح: ((كان الله ولا شيء معه)) ( ).
ولا تعارض بين هذه الروايات الثلاث، فإن كونه سبحانه وتعالى: ((ولا شيء قبله)) لا ينافي أنه سبحانه وتعالى: ((كان ولا شيء معه)) ولا ينافي أنه سبحانه وتعالى: ((كان ولا شيء غيره))، والآيات القرآنية الصريحة الواضحة تدل دلالة قاطعة على أن سبحانه وتعالى: ((كان ولا شيء معه)) و((كان ولا شيء غيره)) ذلك لأن الآيات القرآنية ناصة نصاً ظاهراً صريحاً بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء، وأنه هو الذي يبدأ الخلق: أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ( ) والله خالق كل شيء ( ) وخلق كل شيء فقدره تقديراً ( ) فالله سبحانه وتعالى خلق الكائن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جرح ـآلقدر
مشرف قسم
مشرف قسم
جرح ـآلقدر


عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 15/05/2011

 وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي    وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Icon_minitimeالأحد مايو 22, 2011 11:02 pm

الحشوية
لا تفقه لغة القرآن الكريم
وقد حاول الطحان جهده أن يلبس الحق بالباطل عندما اعترض على استدلالنا على نفي رؤية الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ( ) وقد ذكرت في كتابنا "الحق الدامغ" أن المعترضين على استدلالنا بهذه الآية الكريمة ذكروا خمس شبه( )، وقد أوردت الرد على هذه الشبه جميعها، وهو لم يستطع أن ينقض شيئاً مما قلناه، وإنما حاول أن يكرر ما قيل من قبل فأورد ثلاث شبه:-
الشبهة الأولى...الإدراك هو الإحاطة:-
على حسب ما يقولون: إن الله سبحانه وتعالى هنا نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، وهناك فارق بين الإدراك والرؤية!! فالإدراك هو الإحاطة والرؤية لا تستلزم الإحاطة، فالشيء يُرى من غير أن يحاط به، يقولون: بأنهم يرون الله كما يرون السماء، أي أنهم يرون جزءً من الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر لا يستغرب إذا نظرنا إلى الحشوية وعقائدهم، فإننا لا نستغرب إذا جسدوا الله تبارك وتعالى وجزأوه، فهم على أي حال مجسمون للحق تبارك وتعالى.
إلا أننا نقول ما قلناه من قبل بأن الكلام العربي يدل على أن الإدراك لا يعني الإحاطة، فالإدراك في كل شيء بحسبه، فإن قلت في الشيء الملموس: أدركته بيدي. فمعناه: أنك لمسته بيدك، وإذا قلت في الشيء المسموع: أدركته بسمعي فمعناه: أن سمعك وصل إليه( )، وإذا قلت في الشيء المرئي: أدركته ببصري( ). فمعناه: أن بصرك امتد ووصل إليه.
وقد استدللت بكلام أئمة العربية الذين هم حجة في فهم معاني كلام العرب، فقد قال ماتن القاموس: (الدَّرَك محركة: اللحاق، وقد أدركه إذا لحقه) ونقل الشارح كلام الصحاح للجوهري:(الإدراك: اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه) وليس معنى ذلك أن هذا الذي عاش حتى أدرك زمان الذي تحدث عنه يلزم أن يكون قد أحاط بزمانه من أوله إلى آخره، ونص كلام الجوهري في الصحاح: (الدرك: اللحوق، يقال مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه، وأدركته ببصري: رأيته) فترون أنه نص على أن إدراك البصر هو الرؤية، وفي "لسان العرب": (الدرك: اللحاق -إلى أن قال- وتدارك القوم: تلاحقوا، وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها ( ).
فهذه نصوص أئمة اللغة العربية، وقد أتبعت ذلك بقولي في "الحق الدامغ": (وليس فيها ما يدل على تفسير الإدراك بالإحاطة، ولا يمكن حمل اللحوق أو اللحاق عليها، لأن قول القائل: لحقت الجدار بيدي. لا يدل إلا على مماسته له، وهو قول فصيح مقبول وضعاً وعرفاً مع تعذر إحاطة اليد بالجدار، ومثل ذلك قوله: أنزلت الحبل في البئر حتى لحق الماء وأمثلة ذلك لا تحصى)( ) ثم قلت: (ولم أجد مرجعاً لغوياً فسر الإدراك بالإحاطة، وناهيك دليلاً على خطأ هذا التفسير عدم تقبل العرف والذوق لقول القائل: في الحائط المحيط بالزرع أنه مدرك له ومثله قول القائل: بأن البيت مدرك لمن كان وما كان داخله. مع العلم بأنه لا يماري أحد في إحاطته بما اشتمل عليه)( ).
ثم قلت: (وإذا كان معنى لا تدركه الأبصار: لا تلحقه، مؤداه قطعاً أن القوى البصرية لا تصل إليه حتى يكون مرئياً لها، فإن البصر يطلق على الحاسة كما يطلق على آلة الإبصار وهي العين، وتمثيل صاحب الصحاح بقوله: (عشت حتى أدركت زمانه) شاهد على صحة ما قلت من التباين بين لفظتي الإدراك والإحاطة، فإنه مما يدركه كل أحد أن قائل ذلك لم يرد أنه عاش حتى أحاط بزمان من أضيف إلى ضميره الزمان من أوله إلى آخره، إذ لو كان هو المراد لما جاز لأحد أن يقول في أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أدرك زمانه عليه أفضل الصلاة والسلام. إلا إن كان ذلك الصحابي قد أحاط بزمنه صلى الله عليه وسلم منذ الولادة إلى الوفاة)( ).
ثم قلت: (ومن الشواهد الدالة على خطأ تفسير الإدراك بالإحاطة أنه لا يختلف في صحة قول القائل فيمن وقع عليه السهم: أدركه السهم. ولو قال أحد: أحاط به السهم لما عد قوله إلا هذياناً)( ) ثم بعد ذلك قلت: (وأصرح من هذه النصوص ما تقدم نقله عن شارح القاموس بأنه فسر الرؤية بإدراك المرئي، وفي اللسان أيضاً: (والإدراك: اللحوق، يقال مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه، وأدركته ببصري أي رأيته)( ).
ثم استدللت بعد ذلك بتصاريف هذه الكلمة نحو قول الله تعالى: حتى إذا اداركوا فيها ( ) فعلى أي حال لا يقصد به أن كل فريق منهم أحاط بغيره، وإنما هو أن كل فريق لحق صاحبه، ومن الأدلة التي استدللت بها استشهاد الصحابة رضوان الله عليهم على نفي الرؤية بهذه الآية، وهم كانوا عرباً أقحاحاً لم تخالط عربيتهم عجمة، فالصحابة رضي الله عنهم استدلوا كثيراً على نفي رؤية الله تعالى بقوله: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وذكرت حديث الإمام الربيع والشيخين عن مسروق قال: (كنت متكئاً عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، انظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: ولقد رآه بالأفق المبين ولقد رآه نزلة أخرى فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنما هو جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض)) فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} وأخرج الإمام الربيع رحمه الله تعالى عن الإمام علي كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما أنهما استدلا على نفي رؤية الله تعالى بهذه الآية الكريمة( ).
وعلى أي حال فإن هؤلاء جميعاً كانوا عرباً أقحاحاً لم يخالط شيء من العجمة فصيح كلامهم العربي، وكانوا أدرى بمضامين الكلام وأقوى على معرفة مراد كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ممن جاء من بعدهم.
أما الدندنة التي يعتمد عليها أولئك الذين يقولون برؤية الله، وهي التفرقة ما بين الإدراك والرؤية، بسبب أن فيما حكاه الله سبحانه وتعالى من قصة موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل مع فرعون ما يدل على التفرقة، إذ قال الله تعالى: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون  قال كلا إن معي ربي سيهدين ( ) حيث نفى موسى عليه السلام ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي حصل بين الجانبين، وهذا ما قاله غير واحد من الذين يقولون بالرؤية، فلقد تعجب الحافظ ابن حجر من هذا الاستدلال إذ قال: (وهو استدلال عجيب، لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام البصر، فلما كان ظاهره نفي الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى) وقد أضفت إلى ذلك بأن الإدراك يتفاوت معناه بحسب تفاوت أنواع المدرِكات -بالكسر- فإدراك العين رؤيتها للشيء، وإدراك الأذن سماعها للصوت، وإدراك اليد مسيسها للجسم، وإدراك السيف وقعه على المضروب، وإدراك السهم إصابته للمرمي، وإدراك الرمح إصابته للمطعون، وإدراك العدو تمكنه منه وقدرته على إنزال السوء به، فأصحاب موسى عليه السلام ما كانوا يتوقعون مجرد رؤية عدوهم لهم، وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم( ).
وعلى أي حال فإن هذا الكلام الذي أخذ الطحان يدندن حوله هو منقوض بمثل هذا الذي ذكرته، ولم يستطع أن ينقض هذه الحجة الدامغة التي ذكرتها بشيء، واكتفى بالحوم حولها بمثل تلك الشبه الواهية الباطلة.

التمدح الإلهي
بنفي الرؤية والسفسطة الحشوية
وحاول الطحان أيضاً أن يكرر ذلك الكلام الباطل المنقوض الذي بينت عواره في كتابنا "الحق الدمغ" وهو أن الله سبحانه وتعالى لا يتمدح بنفي؛ سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم ، أنا أعجب كل العجب من هؤلاء الحشوية كيف يرجعون إلى مثل هذه الأمور ويحرصون كل الحرص على محاولة إدحاض حجج الحق بمثل هذه الشبه التي ينسجونها من وحي خيالهم، وهم الذين يدّعون أنهم لا يرجعون إلا لنصوص من القرآن الكريم أو السنة النبوية وأنا أتحداهم أيما تحدي أن يأتوني بشيء من الكتاب أو السنة يدل على أن الله لا يتمدح بنفي محض، وإلا فما الذي جرأهم عليه، فإن الآية الكريمة لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار سيقت مساق تمدحه سبحانه وتعالى، وما تقدمها وما تأخر عنها هو مدح له.
الآية الكريمة سبقها كثير من النفي وتأخر عنها كثير من النفي المساق مساق التمدح له سبحانه وتعالى ويأتي هؤلاء فيخرجونها من أن تكون مدحاً له سبحانه!!.
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم!!
وقد ذكرت في "الحق الدامغ" كيف تناقض ابن تيمية في هذه القضية، إذ قال في هذه الآية: (هي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها، فإن الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح( ) ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يُمدح به وإنما يُمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجودياً، كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وألوهيته وقهره، ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه، ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه، ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته، ولهذا لم يمتدح بعدم محض لا يتضمن أمراً ثبوتياً، فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فلو كان المراد بقوله: لا تدركه الأبصار أنه لا يُرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك)( ) سبحانك اللهم وتنزهت؛ فإذاً المعدوم أيضاً-على حسب قوله هذا- لا تأخذه سنة ولا نوم، والمعدوم أيضاً لا ينسى إذ يتعذر عليه الذكر والنسيان جميعاً، والمعدوم أيضاً كذلك لا يتخذ صاحبة ولا ولداً، فهل هذا يعني جواز أن يكون لله سبحانه صاحبة وولد، وأن يكون ناسياً، والمعدوم أيضاً لا يوصف بظلم مع أن الله سبحانه نفى عن نفسه الظلم إذ قال: ولا يظلم ربك أحداً ( ).
فهل هذا يعني أن تنقض هذه المدائح في حق الله تعالى؟!.
ثم قال: (فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جل جلاله يتعالى بأن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض)( ) مع أنه نفسه قال: (بأن الآية إنما ذكرها في سياق التمدح) ثم بعد ذلك يقول: (بأن هذا نفي محض والله سبحانه وتعالى لا يمدح بنفي محض) ثم يرجع بعد ذلك إلى القول: (بأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يتصف بصفة يشاركه فيها المعدوم، فالمعدوم لا يتصف بأنه يرى ولا يتصف بالأبصار فلا يمكن أن يتمدح الله تعالى بذلك) أيضاً المعدوم لا يمكن بحال من الأحوال أن يوصف بالظلم، ولا بالصاحبة والولد، ولا بالسنة والنوم، فهل يمكن أن يقال بأن هذه المدائح لا تليق بجلاله سبحانه وتعالى؟! فتكونوا يا معشر الحشوية أعلم بالله سبحانه وبصفاته منه عز وجل، تعالى الله عما تقولون علواً كبيراً.
ويقول ابن تيمية بعد ذلك: (فإن العدم الصرف لا يُرى ولا تدركه الأبصار، والرب جل جلاله يتعالى أن يُمدح بما يشاركه فيه العدم المحض، فإن المعنى أنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به)( ). من أين جاء بهذا الكلام؟!.
وقد قلت في "الحق الدامغ" على إثره: (وهو كلام يُشْدَهُ منه كل من كان يتمتع بشيء من العقل الذي لم يتكدر بتأثير الهوى، فإنه ظاهر البطلان بيّن التناقض، وناهيك أنه أثبت في صدره أن الآية ذكرت في سياق التمدح، ثم أتبع ذلك أن الله لا يتمدح بعدم محض وانتهى به التطواف إلى القول بأن العدم الصرف لا يُرى ولا تدركه الأبصار، ثم أتى بنتيجة ذلك كله وهي أن الله يُرى ولا يدرك، وعليه فيلزمه من ذلك أن لا يكون نفي إدراك الأبصار لذاته تعالى مدحاً له، وأن تكون ذات الله العلية ممكنة الإحاطة بها -بناءً على ما فسر به الإدراك- لأن العدم الصرف لا يدرك أيضاً كما نص عليه بنفسه.
وبالجملة فإن أعجب ما جاء به ابن تيمية في كلامه هذا، عرضه النصوص القطعية على قاعدة مصطنعة من الخيال والوهم، ليس لها أسس من العقل ولا دعائم من النقل، مع أن الواجب علينا -معاشر العباد- أن نثبت لله ما أثبته لنفسه وأن ننفي عنه ما نفاه بنفسه، فإنه سبحانه أعلم بذاته وصفاته، وليس لنا أن نعترض عليه في نفيه أو إثباته.
وإن من أعجب العجاب أن يشتد إنكار الحنابلة -ومن بينهم ابن تيمية وابن القيم- على المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم فيما هو أولى بالصواب وأجدر بالحق وأدنى إلى الحقيقة من أسس علم الكلام الجامع بين براهين العقل ونصوص النقل، بينما تجدهم يطلقون لخيالهم العنان في استنتاج أمثال هذه الأوهام، لا لغرض غير التهرب من قهر النصوص وقبضة البراهين).
ثم بعد ذلك جاريت هؤلاء الحشوية على كلامهم الباطل هذا لأجل نقض حجتهم فقلت: (ولو سلمنا جدلاً لهذا المنطق المتداعي لقلنا إن في نفي الرؤية عن الله تعالى إثباتاً لصفة الكمال له عز وجل وهي الكبرياء، ففي الحديث الصحيح نص صريح بأن كبرياء الله سبحانه وتعالى مانعة من رؤيته، وذلك فيما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))( ). فالحديث صريح في أن كبرياء الله سبحانه وتعالى تحول بين أولئك القوم وبين أن يروا الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتخلى الله عز وجل عن أية صفة من صفات ذاته، والكبرياء صفة ذاتية فلا يمكن أن يتخلى عنها، كما لا يمكن أن يتخلى عن علمه ولا عن قدرته ولا عن مشيئته، ولا عن غيرها من صفات ذاته، فإن ذلك أمر ليس مقبولاً عقلاً ولا نقلاً.
واستدللت بهذا الحديث نفسه في "الحق الدامغ" على عدم جواز رؤية الحق تبارك وتعالى وقلت: (وجه الاستدلال به صراحة في عدم رؤيتهم لله لحيلولة رداء الكبرياء بينهم وبين ذلك، والكبرياء صفة ذاتية لله عز وجل لا يمكن أن يتخلى عنها، كما لا يتخلى عن القدرة أو العلم أو الإرادة أو الحياة أو السمع أو البصر، إذ لو تخلى عنها في أي لحظة لكان منقلباً عنها إلى ضدها وهو الصغار المنافي لربوبيته تعالى، فمن ادعى مع هذا النفي رؤيته سبحانه وتعالى لزمه سلب الكبرياء عن الذات العلية.
وإضافة الرداء إلى الكبرياء في الحديث من باب إضافة المشبه به إلى المشبه، كذهب الأصيل ولجين الماء في قول الشاعر:
والريح تعبث في الغصون وقد جرى
ذهب الأصيل على لجين الماء
وفيه إشارة إلى تشبيه الكبرياء بالرداء بأسلوب التشبيه البليغ حسب ما جاء في الحديث القدسي وهو قوله سبحانه: ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري)) وما معناه إلا أنه تعالى مختص بهما كاختصاص أحدنا بردائه وبإزاره، فليس لأحد أن يتطاول فينازعه فيهما وقد صرح بذلك آخر الحديث وهو قوله: ((فمن نازعني فيهما أدخلته النار ولا أبالي)).
فإن قيل: ما بالكم حملتم النظر في مقام النفي على الرؤية مع حملكم إياه في مقام الإثبات على الانتظار كما قلتم في آية القيامة وحديث صهيب.
فالجواب: أن حمله على الانتظار هناك لأن هذا المعنى هو الذي يتفق مع القرائن العقلية ويتساوق مع السياق في الآية والحديث، ونحن لا نمنع أن يفسر النظر بالرؤية عندما تكون مرادة به فإنه من باب اللفظ المشترك الذي يصلح لأكثر من معنى وإنما القرائن هي التي تعين المراد، والمقام هنا يقتضي تفسير النظر بالرؤية، فإن الحديث يفيد أن الأولياء وصلوا إلى دار كرامة الله من تكريمه إياهم وتقريبه لهم ورفعه لدرجاتهم إلى حيث لم يبق شيء مما ألف من أنواع التكريم إلا وقد نالوه، ما عدا الرؤية فإنهم لم يمنعوا منها حرماناً، ولكن لكونها منافية لصفة الكبرياء الخاصة بجلال الله، وبهذا يمكن الجمع بين نصوص النفي والإثبات، والوجه هنا بمعنى الذات عند المحققين حتى من مثبتي الرؤية.
وقد أشكل الحديث على معتقدي الرؤية فتكلفوا من أجل الدفاع عن معتقدهم تأويله بما تأباه سلامة الفطرة وينكره الذوق غير المؤوف، كقول الحافظ ابن حجر في توجيه جواب الكرماني عن هذا الإشكال: (إن في الكلام حذفاً تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء.. فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه).
ولعمر الحق؛ إن اتّباع مثل هذه التأويلات البعيدة يفضي إلى عدم الاستقرار على معنى نص من النصوص لاحتمال تقدير ما يحور نفيه إلى الإثبات وإثباته إلى النفي.
وقد أجاد السيد العلامة صاحب المنار، حيث قال بعد أن نقل هذا التأويل: (وفيه من التكلف ما لا ينبغي لحفاظ السنة الاعتداد به، وهم ينكرون على الجهمية والمعتزلة مثله، وما هو أمثل منه من تأويلاتهم).
وحمل الحافظ الرداء في هذا الحديث على الحجاب المذكور في حديث صهيب المتقدم، وبعد أخذ ورد قال: (ومقتضى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالاً للنعمة، فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه رفع عنه حجاباً كان يمنعهم).
وقد نقل كلامه هذا صاحب المنار ولم يتعقبه بشيء، مع أنه لا يقل تكلفاً عما قبله، فإن الحديث لا يفيد أن امتناع الرؤية عن الله لشيء في نفوس عباده كالهيبة التي تخشع لها أبصارهم وتوجل منها قلوبهم، وإنما يفيد أن امتناعها لأمر خاص بالذات الإلهية، وهو اتصاف الله تعالى بالكبرياء، وصفات الله تعالى لا تتناقض ولا تناقضها أفعاله، فقول الحافظ: (فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء) قول تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، فحاشا لله سبحانه أن يفعل ما لا تقتضيه صفاته الذاتية، كيف وهي أجل المحامد المقتضية لأعظم المدائح، وقد مر بكم من القول في حديث صهيب ما يغني عن إعادته هنا)( ).
هذا الذي قلته في كتابنا "الحق الدامغ" ومما لا ريب فيه أن إجازة تخلي الله سبحانه وتعالى عن كبريائه أو فعل شيء مما ينافي كبرياءه، تؤدي إلى إجازة نحو ذلك في جميع صفاته سبحانه وتعالى، بحيث يجوز أن يقال في شيء فعل الله سبحانه وتعالى خلاف مقتضى علمه وقدرته وإرادته وحياته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وما إثبات ضد الكبرياء لله سبحانه إلا إثبات للصغار، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
الشبهة الثانية...الطحان يعترف بالحق ولكن...
هذا، وأتى الطحان بشبهة ثانية رددنا عليها أيضاً، إذ جاء في كلامه بأنه يسلم أن الإدراك بمعنى الرؤية، ولكن هذا النفي خاص بهذه الحياة الدنيا، وقد سبق أن أجبت على هذا الكلام نفسه في كتابنا "الحق الدامغ" إجابة لم يستطع الطحان أن ينقضها بشيء، وإنما اكتفى بمثل هذه الدندنة الفارغة، فقد جاء في الرد: (وأما الاعتراض الثالث -وهو أن النفي المطلق لا يدل على الدوام- فهو مرفوض لغة وعرفاً وشرعاً، فإن كل أحد يدرك أن قول القائل: لا أشرب اللبن. دال على نفي الشرب في أي وقت من الأوقات، ولولا ذلك ما حنث من حلف أنه لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يقتل النفس المحرمة بغير حق إذا أتى أي شيء من ذلك في مستقبل الزمان بناءً على أن النفي المطلق غير شامل للأزمنة.
ومما لا خلاف فيه أن للنهي حكم النفي ولئن ساغ هذا القول لم يبق أمر محجور، فيسوغ للناس أن يأكلوا الربا الذي حرمه الله في كتابه، وأن يقتلوا النفس المحرمة بغير حق، وأن يرتكبوا كل فساد في الأرض، ويأتوا كل منهي في الإسلام متذرعين إلى ذلك كله بدعوى أن النهي غير شامل لعموم الأزمنة.
وما تقدم تقريره من أن هذه الآية -كسائر الآيات التي انتظمت في سلكها -سيقت مساق مدحه تعالى مبطل لهذه الدعوى، إذ لو حمل النفي فيها على الدار الدنيا دون الآخرة لجاز مثله في نظائرها نحو قوله تعالى: لا تأخذه سنة ولا نوم}( ) وقوله: ما اتخذ صاحبة ولا ولداً( ) وقوله: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد( ) وقوله: ولا يظلم ربك أحداً( ) ولجاز عليه تعالى في الآخرة ما كان ممتنعاً عليه في الدنيا من السنة والنوم، والصاحبة والولد، والكفء والند، والجور والظلم، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً.
على أن الواجب على كل مسلم أن يعتقد أن الدنيا والآخرة لا تأثير لهما في ذات الحق تعالى، فإنه سبحانه يستحيل عليه مرور الزمان، كما يستحيل عليه اكتناف المكان، فهو تعالى خالق الزمان والمكان لا تتغير ذاته ولا تتبدل صفاته أزلاً وأبداً، وإنما تحول الأحوال بين الدنيا والآخرة لا يتجاوز المخلوقين( ).
الشبهة الثالثة ... تأثير الزمان على الله تعالى!:-
وأما الشبهة الثالثة التي دندن حولها الطحان هي أن الله سبحانه وتعالى لا يدرك عندما يتجلى بجميع نوره، ويمكن إدراكه عندما يتجلى ببعض نوره، وقد أطال في ذلك، ويكفي رداً على هذه الشبهة الواهية الباطلة، هو أن الله سبحانه وتعالى لا يتحول من حال إلى حال فهو سبحانه وتعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}( ) وأنتم أيها الحشوية قلتم: يظهر ببعض المظهر، ثم بعد ذلك لا يظهر بهذا المظهر، فيمكن رؤيته عندما يظهر ببعض مظهره، ثم يختفي بعد ذلك، ولا يمكن رؤيته عندما يظهر بجميع مظهره.
هذا يدل أن معتقدكم بأن الله سبحانه يتحول من حال إلى حال، وينتقل من صورة إلى صورة، وقد جاء ذلك في الحديث الذي استندتم إليه، ونحن بينا أن ذلك أمر مستحيل.
ولو قلنا بثبوت هذه الرواية فغاية ما نقوله بأن المراد بذلك صفة، وأن صفات الله تعالى التي تظهر للعباد بين حين وآخر بحسب فعله فيهم، فقد يتجلى لعباده بصفة الرحمة عندما تتواتر النعم عليهم، ويتجلى بصفة الانتقام عندما يكون الأمر بعكس ذلك، فهذا هو المراد، وليست هناك صورة حسية لله تعالى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، على أن علماء الحديث قد تكلموا في هذا الحديث، ومنهم من قال بإبطاله، وقال بأن الاحتجاج به لا يمكن بأي حال من الأحوال، وسوف أتحدث عن بعض ذلك إن شاء الله فيما يأتي.
ثم إن هذا الطحان من منطلق ضلاله، وسوء فهمه، وتعفن فطرته، وإظلام عقله، وانطماس بصيرته، حاول بكل جهده أن يشوش الحقائق ويشوهها ويموه في كلامه، حتى يصور للناس أن الذي قلناه مجرد تشويش، مع أننا استندنا في ذلك إلى هذه الأدلة الظاهرة القاطعة البينة، استندنا إلى أدلة العقل والنقل، ولكن أين عقل الطحان من إدراك مثل هذه الحقائق، وقد أظلم عقله بعقيدة الغي والضلال -عقيدة تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه- وانطمس عقله من جراء كبائره التي ارتكبها وفي مقدمتها تلك الوقاحة والجرأة على الله سبحانه وتعالى، ورضاه بأن يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم خصماً له في الدار الآخرة إذ نفى عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الخير، أي جرأة على الله أعظم من هذه الجرأة؟!.
وهو قد حاول أن يقول بأن ما قلناه من أن الله سبحانه وتعالى لو كان يُرى في الدار الآخرة للزم من ذلك تبدل صفاته، وغاية ما يستند إليه في هذا أن امتناع رؤيته في هذه الدار الدنيا إنما هو لضعف في العباد لا لشيء في ذاته، وهذا تكذيب صارخ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري( ) بأن أولئك المؤمنين في الجنة ليس بينهم وبين أن ينظروا إلى الله تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء، فكبرياؤه تعالى في الدنيا والآخرة هي التي منعت عباده عن رؤيته، إذ الرؤية منافية لكبريائه تبارك وتعالى، هذا الذي دل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأتحدى الطحان؛ وأتحدى أي أحد من هؤلاء الحشوية أن يأتيني بنص على أن ضعف العباد وعجزهم هما اللذان منعا من رؤيتهم له سبحانه وتعالى في هذه الدار الدنيا.



الحشوية
يردون على الله تعالى!!
هذا؛ وإن مما يدعو للضحك والسخرية والاستخفاف حشر الطحان عدداً من الآيات استناداً إليها في أن الله سبحانه وتعالى يُرى يوم القيامة، من ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة "يس": إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ( ) بالله عليكم أين ذكر الرؤية في هذه الآية الكريمة؟!! متى جاء ذكر الرؤية فيها؟! وإنما غاية ما فيها أن أصحاب الجنة في شغل فاكهون، والله سبحانه وتعالى وعد أهل الجنة يوم القيامة بالنعيم المقيم؛ وعدهم جنة عرضها السموات والأرض فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فهم مشغولون بهذه النعم الجلى التي يتنعمون بها يوم القيامة.
أين ذكر الرؤية في هذه الآية الكريمة؟!!
فليراجع الحشوية تفسيرها.
والآية الأخرى التي استند إليها قول الله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( ) ولا أرى في استدلال الطحان بهذه الآية الكريمة إلا تكذيباً صارخاً لنفس هذه الآية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول فيها: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين والطحان يرد على الله تعالى قائلاً: لا؛ بل أنا أعلم ما أخفي لهم من قرة أعين! أخفيت لهم من قرة أعين: رؤيتك التي نفيتها في كتابك!! أنا أعرف أن الناس سوف يرونك يوم القيامة؛ وهذا هو الذي أخفيته لهم من قرة أعين!! يا ويحك يا طحان ما هذه الجرأة التي تجترؤها على الله سبحانه وتعالى، الله ينفي أن تعلم نفس ما أخفاه لهم من قرة أعين في الدار الآخرة، وأنت تدعي بجهلك وحمقك أنك تعلم ذلك الذي نفى الله سبحانه وتعالى علمه عن أي نفس من الأنفس.

اللقاء
وتأويل الحشوية
ومن الآيات التي حشرها في الاستدلال للرؤية قول الله تعالى: تحيتهم يوم يلقونه سلام( ) وقوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا( ) وقوله: فمن كان يرجو لقاء ربه( ) استدل بذكر اللقاء في هذه الآيات على أن المراد باللقاء الرؤية، فجعلها دليلاً على ثبوت الرؤية، ونحن نتحدى الطحان بما نذكره من الأدلة التي تدل أيما دلالة على أن اللقاء ليس هو بمعنى الرؤية.
فالله سبحانه وتعالى يقول: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه( ) كثير من المفسرين قالوا بأن الضمير عائد إلى النفاق، أي إلى يوم يلقون ذلك النفاق؛ بمعنى: يلقون جزاءه، فهل نفس النفاق يرونه يوم القيامة؟!.
والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه العزيز: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ( ) فهل يرون ذلك الموت بأبصارهم، ويشاهدونه بأعينهم؟!.
ويقول الله تعالى: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه( ) فهل لقاء الموت هنا بمعنى رؤيته؟!.
والعرب من شأنهم أن يقولوا: بأن فلاناً لقي من هذا الأمر شدة أو لقي منه فرجاً ومخرجاً، ولقي من هذا الأمر عسراً أو لقي منه يسراً، ولقي من هذا الأمر خيراً أو لقي منه شراً. مع أن ذلك الذي يعنونه قد يكون أعمى، فهل يقال: بأن من قال: لقيت من هذا الأمر يسراً، أو لقيت منه عسراً، أو لقيت من هذا الأمر فرجاً أومخرجاً. وهو أعمى، كاذب، حيث إنه لم ير شيئاً.
ومن الأدلة التي تدل أيضاً على بطلان هذا الزعم قول الله سبحانه وتعالى: يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه( ) فالضمير في قوله: فملاقيه يعود إلى الكدح كما أن الضمير في قوله سبحانه: إلى يوم يلقونه يعود إلى النفاق، وحقيقة النفاق لا تُرى يوم القيامة وإنما يُرى جزاؤها، وحقيقة الكدح لا تُرى أيضاً وإنما تُرى عاقبته.
ونجد أن العلماء يفسرون لقاء الله بالانتقال إلى الدار الآخرة لما يتحقق به من وعد الله سبحانه وتعالى ويتجلى به من أسرار غيبه، وقد أطلق على الموت رعاية لهذا المعنى، ويقال في من مات: لقي ربه، وقد جاء في "لسان العرب" نقلاً عن ابن الأثير في شرح حديث ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)) أن المراد بلقاء الله المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند الله( )، وكما يكون اللقاء وعيداً كما في حديث: ((لقي الله وهو عليه غضبان)) يكون أيضاً وعداً كما في بعض الآيات التي استدل بها الطحان.
ومن جملة الأدلة التي استدل بها الطحان على ثبوت رؤية الله سبحانه وتعالى؛ ذكر وجهه وابتغاء عباد الله المؤمنين له في آيات متعددة من كتاب الله سبحانه وتعالى، وقال: ليس المراد من ابتغائهم وجهه إلا ابتغاءهم رؤية وجهه! وهذا كلام يدل على سخافة قائله، فإن المراد بابتغاء وجهه سبحانه وتعالى إخلاص العمل له، وهذا متبادر لأي أحد من أصحاب العقول إلا أصحاب العقول السخيفة الذين يكابرون الحقيقة، والذين لم يؤتوا شيئاً من نور العلم.
وقد نص المفسرون الذين يثبتون الرؤية على أن المراد بابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى ما هو إلا ابتغاء القربى إليه وإخلاص العمل له بحيث لا يشوبه شيء من شوائب الرياء، هذا هو المراد، وأقوال أئمة التفسير في ذلك كثيرة، ولست الآن في هذه المدة القصيرة بصدد نقل أقوالهم، ومن أراد الاطلاع على حقيقة هذا الأمر فليرجع إلى أقوال المفسرين الذين يثبتون الرؤية من أمثال ابن جرير الطبري والقرطبي وغيرهم، والسيد رشيد رضا من العلماء المتأخرين، فإنه يجد في ذلك ما يشفي غليله.

الحشوية
يتناقضون مع أسلافهم
هذا؛ واستدل الطحان أيضاً على رؤية الله تعالى بآيات يزعم أنها تشير إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله سبحانه ليلة الإسراء والمعراج، وأنا لا أريد أن أرد على الطحان في هذه القضية بالأدلة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحديث عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين اللذين يعتبر الطحان مخالفهما جديراً بأن يقتل، لا أريد أن أستدل بهذه الأدلة، فلعله لا يؤمن بالسنة، لأنه صرح بنفسه أن القرآن والسنة ما هما إلا قنطرة عبور إلى أقوال أسلافهم الذين يلوون أعناق الآيات لتتفق مع أهوائهم ومع ما في قرارة نفوسهم من عقائد زائغة، وإنما أرد عليه بكلام أحد أئمته الذين يرفع كلامهم إلى مستوى أرفع من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بحيث يرى أن كلامهم هو الغاية التي يتوصل إليها، ويجب التسليم لها وطمس البصيرة من أجل الاستسلام من أجلها، نقل ابن تيمية –وهو عندهم عنصر مقدس من عناصر أئمتهم- نقل في المجلد السادس ص507 من فتاواه الكبرى: (عن عثمان بن سعيد الدارمي أنه حكى إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه).
فماذا عسى أن تقول يا طحان، بعد أن قلت في كتاب الله: لا خير فيه إلا إذا مر بطريق السنة، ثم أن السنة أيضاً لا خير فيها حتى يصل الكتاب والسنة معاً إلى أقوال سلفكم فيقبلون ما يقبلونه وينكرون ما ينكرونه. هذا كلام أحد سلفكم ينكر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج، ويحكي إجماع الصحابة على ذلك، فماذا عسى أن تقول؟!.

المحدث القنوبي
يزف بشرى سارة إلى الحشوية!!
ثم انتقل الطحان إلى الاستدلال بثبوت معتقده بروايات الأحاديث التي جاءت عند الشيخين وغيرهما، وأنا لا أريد أن أطيل في هذا الموقف، فقد ذكرت في "الحق الدامغ" ما في أصح هذه الروايات سنداً من اضطراب المتن( )، وقد اعترف به كثير من أئمة الحديث، ومن بينهم العلامة ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي حتى قال ما يفيد اتفاق الأمة على أن الرؤية لا تكون في الموقف، بينما تلك الأحاديث تدل على أن الرؤية في الموقف، ومن بين هؤلاء أيضاً المحدث العلامة الكوثري في تعليقه على كتاب "الأسماء والصفات" فإنه ذكر اضطراب هذا الحديث ومخالفته لنصوص القرآن.
وقد حاولت جهدي أن أقرب معاني هذا الحديث بما يتفق مع تنزيه الله تعالى، وبما يتفق مع مقتضيات العقل، وبما يدفع عنه التناقض والاضطراب، فإن من أخذ بظاهره وقع في تناقض عجيب، فمن ذلك: (فيأتهم ربهم بغير الصورة التي يعرفونه بها) وفي رواية مسلم: (فيأتهم ربهم في غير الصورة التي رأوه بها أول مره...) -متى رأوه؛ وذلك هو أول موقف من مواقف يوم القيامة؟! هل رأوه في هذه الحياة الدنيا؟ أو رأوه في البرزخ؟!- (...فإذا أتاهم الله قالوا له: لست ربنا، لا نبرح مكاننا حتى يأتينا ربنا...) وعندما ينتقل من تلك الصورة إلى صورة أخرى يقولون له: (...نعم أنت ربنا)( ).
بالله عليكم لو أخذنا بظاهر هذا الحديث -كما يريد الطحان وأمثاله- أمَا يؤدي ذلك إلى اتهام الناس لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولشخصه عليه الصلاة والسلام بالتناقض والاضطراب عندما يرون أن كلامه مخالف لأدلة العقل، بل مخالف أيضاً لما يقتضيه النقل الصحيح الذي لا مرية فيه، على أن أحاديث الرؤية بأسرها لو نوقشت من حيث الأسانيد والمتون لوجد فيها كثير من الاضطراب، وقد تولى مناقشة أكثرها في وقتنا هذا العلامة المحدث الكبير الحافظ الحجة الشيخ القنوبي( ) جزاه الله تعالى خيراً وأطال في عمره، وسيصدر إن شاء الله كتابه الذي أفرده لمناقشة هذه الروايات، وفيه من إقامة الحجة ما ليس بعده، فليبشر الطحان بظهور هذا الحق إن شاء الله تعالى، فسيوافيه هذا الكتاب بمشيئة الله تبارك وتعالى وسيوافي غيره من أئمة الحشوية.

الحشوية
فلسفة يونانية لا طريقة سلفية
إن الطحان كابر الحقيقة وخالف ما اتفق عليه جمهور الأمة إذ زعم أن الحديث الآحادي حجة في العقيدة، وهذا أمر لم يقله إلا الحشوية، أما جمهور الأمة كما جاء في الكتب الكثيرة من مصطلح الحديث وأصول الفقه، فإنهم نصوا على أن الحديث الآحادي يوجب العمل ولا يفيد العلم، أي لا يترتب عليه اعتقاد، وهذا أمر قد قاله بعض الحشوية، فابن تيمية ذكر بأن الحديث الآحادي لا يمكن أن يعتمد عليه في أصول الدين لأن حجته ظنية كما جاء في كتابه "منهاج السنة"( ).
وقد ذكرنا بعض كلام ابن تيمية الذي قاله في كتابه "نقد مراتب الإجماع" عندما رد حديثاً صحيحاً من طريق عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفق مع دلائل الكتاب القطعية، ولم يرد الاستدلال به إلا لأجل موافقة ما يقوله فلاسفة اليونان حرصاً منه على عدم مخالفته لهم، واستند فيما استند إليه بأنه حديث غير متواتر.

منهج الإباضية...
ومنهج الحشوية
ثم إن الطحان حاول أن يقلب الأمر رأساً على عقب، ويأتي بأوهام في محل الحقيقة، حاول جهده أن يخفي الشمس في رابعة النهار عندما قال خطاباً لنا -معشر أهل الحق والاستقامة: (لا بقرآن تقبلون، ولا بقول الرسول تقبلون) سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم، وهذا أمر لا يستغرب عند هؤلاء الناس الذين يكابرون الحق.
من قال؛ يا طحان: إن القرآن لا خير فيه؟!.
من قال؛ يا طحان: إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا خير فيه؟!.
من جعلهما قنطرة عبور إلى أقوال الأئمة الذين تقتدون بهم؟!.
هل نحن قلنا ذلك أم أنت؟!.
هل نحن امتعضنا من الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم استدلالاً صحيحاً يتفق مع مفاهيم القرآن الكريم وحديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ويتفق مع دلالات الكلمات العربية ودلائل العقل السليم، أم أنت وحزبك الحشوية الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ويجترئون عليه سبحانه وتعالى بما تهوى أنفسهم من قول الباطل؟!.
نحن -والحمدلله- قلنا من أول الأمر بالاحتكام إلى الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، واستدللنا بقوله عز وجل: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً( ) أما أنت فإنك قلت بأن القرآن لا خير فيه إلا بالسنة، والسنة لا خير فيها إلا بأقوال سلفكم الذين يقولون على الله سبحانه وتعالى ما لا يعلمون.
إنني أتحداك بأن نصوص القرآن الكريم في أمور العقيدة نصوص ظاهرة، لا تحتاج إلى بيان من السنة ولا من شيء آخر، والسنة الصحيحة الثابتة لا تأتي مخالفة لما في القرآن الكريم.
أناشدك بالله يا أيها الطحان:-
هل قول الله سبحانه وتعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله( ) بحاجة إلى بيان؟
هل قول الله سبحانه: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم( ) بحاجة إلى بيان من السنة أو من جهة أخرى؟!.
هل قول الله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم( ) بحاجة إلى بيان؟!.
هل من تعلق بهذه الآيات ضال مضل إن لم يكن له بيان من أقوال من تسمونهم بالسلف الصالح، وهم أبعد ما يكونون عن السلف الصالح؟!.
هل قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد( ) بحاجة إلى بيان وتفصيل وإيضاح؟! وهل الأخذ بهذه السورة الكريمة باطل وضلال وهراء كما زعمت يا طحان؟!.
فمن الذي لا يرضى بكلام الله، ولا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!.
الإباضية -أهل الحق والاستقامة- أم أنتم الذين اجترأتم على الله سبحانه وتعالى وأسقطتم برقعكم بما قلتموه، إذ قلتم بأن القرآن والسنة لا خير فيهما، سبحان الله هذا بهتان عظيم!!.
ثم إن الطحان ادعى أن نفاة الرؤية يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أي شيء من الكتاب كفروا به؟ بالله عليك يا طحان، أجب عن ذلك...!.
أنت الذي جعل الكتاب كله لا خير فيه إلا إن اعتمد على غيره، وأنت الذي جعل السنة كلها لا خير فيها إلا إن كانت خاضعة لمنهج من تسمونهم بالسلف الصالح، أنت حرصت كل الحرص على أن تنزع ثقة الناس من الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فقلت ما قلت افتراءً على الله وعلى رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، يا ويحك إن كان ربك ورسوله صلى الله عليه وسلم خصميك يوم القيامة، وذلك أمر لا محيص عنه، إن لم تتب عن غيك وتثب إلى رشدك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جرح ـآلقدر
مشرف قسم
مشرف قسم
جرح ـآلقدر


عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 15/05/2011

 وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي    وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي Icon_minitimeالأحد مايو 22, 2011 11:03 pm


الطحان
يحكم بقطع رقاب أئمته
زعمت أيها الطحان أن من طعن في رواية من صحيح البخاري تحز رقبته، هذا الكلام ليس هو إلا كلاماً نابعاً عن هوى متبع، من قال هذا القول؟! ومن أين جئت به؟! أنا أتعجب من مثل هذا الكلام!! ولكن على أي حال لا أريد أن أناقشك هنا مناقشة طويلة، وإنما أقول يجب عليك أن تجرد سيفك لقطع رقاب أئمتك لو كانوا أحياءً، فإن نفس الحشوية ردوا أحاديث في صحيح البخاري، ومن بين أولئك ابن تيمية الذي أنكر ما أنكره في صحيح البخاري( )؟
ويلزمك على هذا أيضاً أن تحكم على الأئمة الأربعة بقطع رقابهم، إذ ما من إمام من هؤلاء الأئمة الأربعة إلا قد أنكر حديثاً أو ترك الأخذ بحديث جاء في البخاري أو في صحيح مسلم، أو جاء في كلا الصحيحين، فإن قلت كما قال غيرك من أغبياء الحشوية، عندما ذكرت له ذلك: بأن الأئمة الأربعة هم متقدمون على البخاري ومسلم، وأنهما ألفا صحيحيهما بعد هؤلاء الأئمة، فجوابكم: هل هذه الروايات التي في الصحيحين استمدت هذه القدسية بسب أن البخاري ومسلم رووها، أو لكونها روايات ثابتة عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن كانت هذه القدسية لأجل أن البخاري ومسلماً رووها، فمعنى ذلك أن البخاري ومسلماً أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا التقديس والتعظيم لأن ذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام سابق على هؤلاء الأئمة الأربعة، وهم بسبب سبقهم على البخاري ومسلم أحرى بأن يعرفوا الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غيره.
ومن المعلوم أن العصمة إنما هي لرسل الله سبحانه وتعالى، وما من أحد معصوم غيرهم، والبخاري ومسلم اجتهدا رأيهما حسب جهدهما في إثبات الحديث الصحيح، ولكن لا يعني ذلك أنهما معصومان وأن كل ما جاءا به هو حق ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحشوية
يبنون عقيدتهم على الأدلة الظنية
هذا وقد أطال الطحان الدندنة حول الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) ويجب قبل كل شيء أن ننظر في سند الحديث -ولو قيل بصحته- هو حديث آحادي، وقد سبق أن قلنا: بأن قول جمهور الأمة إن الحديث الآحادي لا يفيد العلم، فدلالته على المعتقد دلالة غير قطعية ولا يعتد به في قضايا العقيدة، وبجانب كونه آحادياً، فإن "النظر" له وجوه أيضاً، والعلماء يقولون: (الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال).
نحن نرجح أن لذة النظر إلى وجه الله تعالى إنما هي الاعتماد على الله رجاء فضله سبحانه وتعالى، بحيث نرجو استمرار فضله، ومزيد نواله، وامتداد عطائه( )، هذا الذي يجب أن يحمل الحديث عليه -إن قيل بصحته- حتى لا يكون هنالك تعارض بينه وبين الأدلة القطعية التي تدل على استحالة رؤية الله سبحانه وتعالى.

هيبة الرب
تتعارض مع تجسيمه تعالى
ثم إن هذا الطحان ادعى أن من تعلم علم الكلام سقطت هيبة الرب من قلبه، وأنا أسأله هل سقطت هيبة الرب من قلب الذي ينزهه ويجعله ليس كمثله شيء، لا يمكن أن يتخيله خيال، ولا يمتد إليه حس، ولا يصل إليه نظر؟ أو سقطت ممن يصفه بصفات خلقه فيقول: له يدان ورجلان، وعينان وشفتان، وأضراس ولهاه، وجنبان وفخذان، وساقان وقدمان، يمشي ويهرول ويضحك ويفرح ويحزن كسائر الناس، من يحمل هذه الأمور على حقائقها الحسية من غير أن يحاول حملها على ما يفيد تنزيه الله سبحانه وتعالى عن مشابهة خلقه من التأويل الصحيح؟!.
من الذي سقطت هيبة الرب من قلبه الذي يقول: إن الله ليس كمثله شيء، قد كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان، لا يدرك بعين ولا يطلب بأين، جل أن تحويه الأمكنة، وعز أن تجري عليه الأزمنة، لأنه سبحانه وتعالى خالق الزمان والمكان، أو هذا الحشوي الذي يشبه الله بخلقه فيقول: إن الله بحاجة إلى مكان وإنه يرتفع وينزل، ويخلو منه مكان ويحل في مكان آخر، وينتقل من مكان إلى مكان؟! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

الطحان
يكذب على أشياخه
ثم إن الطحان حاول جهده أن يلبس الحقيقة ويموه كلامه إذ ادعى أن ابن تيمية مال إلى القول بأن رؤية الله تبارك وتعالى في الدار الآخرة للمؤمن ولغيره، وهذا كلام عجيب فإن ابن تيمية قال في فتاواه الكبرى في المجلد السادس (ص500-501) حكى عن القاضي أبي يعلى وغيره من الحنابلة: (أن مثبتي رؤية الله في الآخرة ومنكريها اتفقوا على أن الكافرين لا يرونه، قالوا: فثبت بهذا إجماع الأمة ممن يقول بجواز الرؤية وممن ينكرها على منع رؤية الكافرين لله، وكل قول حادث بعد الإجماع فهو باطل).
فترون أن الطحان نسب إلى ابن تيمية ما لم يقله.
وحكى عنهم ابن تيمية أيضاً ما نصه: (الأخبار الواردة في رؤية المؤمنين لله إنما هي طريق البشارة، فلو شاركهم الكفار في ذلك بطلت البشارة، ولا اختلاف بين القائلين برؤيته بأن رؤيته من أعظم كرامات الجنة).
ثم اتبع ذلك قوله: (قال( ): وقول من قال: إنما يُري نفسه عقوبة لهم وتحسيراً على فوات دوام رؤيته، ومنعهم من ذلك بعد علمهم بما فيها من الكرامة والسرور، يوجب أن يدخل الجنة الكفار، ويريهم ما فيها من الحور والولدان، ويطعمهم من ثمارها ويسقيهم من شرابها، ثم يمنعهم من ذلك ليعرفهم قدر ما منعوا منه، ويكثر تحسرهم وتلهفهم على منع ذلك بعد العلم بفضله).
ثم قال بعد ذلك: (والعمدة قوله سبحانه: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فإنه يعم حجبهم عن ربهم في جميع ذلك اليوم، وذلك اليوم يوم يقوم الناس لرب العالمين -وهو يوم القيامة- فلو قيل إنه يحجبهم في حال دون حال، لكان تخصيصاً للفظ بغير موجب، ولكان فيه تسوية بينهم وبين المؤمنين، فإن الرؤية لا تكون دائمة للمؤمنين، والكلام خرج على بيان عقوبتهم بالحجب وجزائهم به، فلا يجوز أن يساويهم المؤمنون في عقاب ولا جزاء سواء).
ونحن نرى أن ابن القيم ذكر الخلاف الذي أورده الطحان في هذه المسألة، قال: (في هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة، أحدها: بأنه لا يراه إلا المؤمنون، والثاني: يراه جميع أهل الموقف؛ مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك، والثالث: يراه المنافقون دون الكفار، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه)( ).
فانظر ما بينهم من التناقض العجيب في هذا الأمر، على أن العقائد لا تبنى على الظنون، فهؤلاء لا يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ( ) ولذلك يختلفون هذا الاختلاف البعيد، حتى أنهم يروون عن أحد أئمتهم أنه يقول بهذا المعتقد -ويلزمه بذلك أن يقول قولاً مبنياً على قطعي- ثم ينتقل عنه إلى ضده، وهكذا تجدهم في دوامة من الاختلاف والتناقض، فالحمد لله على العافية من ذلك.

الطحان
يفتري على الرسول الكريم
ثم نجد أن الطحان تعرض لاستدلالنا بحديث: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.... إلخ))( ) وقال: (إن الوعيد الذي في هذا الحديث إنما هو في المستحل) سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
من أين جئت يا طحان بذلك؟!.
النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الوعيد فيمن يفعل هذا الأمر، وأنت تقول بأن هذا الوعيد ليس على فعل هذا الأمر وإنما هو على استحلاله.
من أين لك ذلك؟!
هل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم جئت به من تلقاء نفسك اتباعاً لهواك ورداً لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم بما استقرت عليه نفسك واطمأن إليه قلبك، مع أن هذا الذي ذهبت إليه قد حكاه الله سبحانه وتعالى فيما قبل عن اليهود –والعياذ بالله- عندما قال عنهم عز وجل: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ( ) ثم رد عليهم بقوله: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( ) وبين أن هذا المعتقد هو الذي جرأ اليهود على ما جرأهم عليه إذ قال سبحانه: ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( ).
فهل قولك هذا الذي جئت به إلا تجرأة للناس على ارتكاب محارم الله سبحانه وتعالى؟!.
فشتان بين من يقال له بأن هذا الوعيد لا يتوجه إليك إن فعلت هذا الأمر، وإنما يتوجه إلى من استحله، فإنك لا تستحله، وبين من يقال له بأن هذا الوعيد يترتب على فعلك لهذا الأمر، فإياك وفعله، فشتان بين هذا وذاك.
على أن هذا الأمر يؤدي إلى أن تكون أحكام الله سبحانه وتعالى في كتابه لا تقتضي العمل بموجبها وإنما تقتضي اعتقاد وجوبها فحسب، وكذلك ما جاء من مناهي الله سبحانه لا يقتضي عدم ارتكاب تلك المناهي وإنما يقتضي اعتقاد إنها مناهٍ فحسب، وما هذا إلا هدم لصرح الإسلام ودفع للناس إلى ارتكاب محارم الله، والعياذ بالله.

نموذج
من أحكام دولة الحشوية
ثم جاء هذا الطحان بما لا يستغرب منه عندما قال: (منكر الرؤية في الآخرة؛ أي رؤية المؤمنين لربهم الكريم في جنات النعيم كافر بلا شك، فإذا كان عنده شبهة تزال شبهته وتقام عليه الحجة، فإن أصر فهو كافر، إذا وجدت دولة إسلامية( ) تضرب رقبته( )) هذا لا يستغرب منه مادام أنه يعمل لصالح اليهود، ويتبع خطواتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فلا ريب أنه سيحرص كل الحرص على الإثآر ممن خالفهم وبيّن عوار معتقدهم، فاليهود هم الذين قالوا لموسى عليه السلام: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وقال سبحانه فيهم: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة  ولا ريب أنك تعمل لصالحهم في نشر معتقداتهم التي تقتضي تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإنك أيضاً تعمل لصالحهم في محاولتك تفتيت وحدة هذه الأمة وصدع جدارها وهدّ أركانها وزلزلة بنيانها، فابشر بأنهم سيرضون عنك وستنال منهم الجائزة التي تميل إليها من قبلهم، فهذا هو شأن المتزلفين إلى أعداء الإسلام الذين يكيدون المكائد لهذه الأمة.

اقتناع
المسلمين بالحق الدامغ
ولست استغرب عندما نجد الطحان موتوراً من كتابنا "الحق الدامغ" بسبب أن الناس اقتنعوا بالحق الذي بينت فيه حجته ووضح فيه دليله، وقد بلغ به الأمر أن يقول تارة: (إن هذا الكتاب فتن عوام المسلمين) وتارة يقول: (فتن عوام أهل السنة) وتارة يقول: (فتن عامة أهل السنة).
هذا الكتاب -والحمدلله- لقي قبولاً من أصحاب البصائر، وقد وصلني من رسائلهم ما يفيد بأنهم اقتنعوا بصحة ما جاء به؛ ما لو نشرته لأخذ حيزاً من صفحات الكتاب إن طبع طبعة أخرى، ولكنني لست ممن يميل إلى الإطراء والمدح، فان ذلك ليس من شأني، وإنما غاية ما أريده أن يصل الحق إلى عباد الله تعالى.
ولا يستغرب أن يقول الطحان الموتور بأن هذا الكتاب هو الباطل المدموغ، فماذا عسى أن أقول في رجل اجترأ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فنفى عنهما الخير، فما في "الحق الدامغ" إنما هو خلاصة للحق الذي دل عليه الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، نقلت فيه من آيات الكتاب العزيز، وبينت معانيها التي تفهم بالجمع بين هذه الآيات والرجوع إلى قاموس اللغة العربية التي اختارها الله سبحانه وتعالى لأن تكون وعاءً لهذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الحشوية
تحرف الكلم عن مواضعه
ومما هو ليس بغريب أن يدعي الطحان بأنني سخرت من السلف الصالح عندما علقت على كلام ابن القيم في "حادي الأرواح" حيث نقل عن ابن المبارك بأن قول الله تعالى: هذا الذي كنتم به تكذبون ( ) هو وعيد لمن قال بعدم رؤية الله تعالى. وقلت: إن هذا الكلام رقص على أنغامه كثير من الذين يقولون مالا يعلمون، ويجترون كل ما يلقى إليهم، إذ ادعوا أن هذا الوعيد واقع بالإباضية الذين أنكروا الرؤية وأنهم المقصودون به، فهذا كلام بيّن بطلانه، فإن مما يدركه كل من له معرفة بلغة العرب أن الإشارة لا تكون إلا إلى مشار إليه سواء كان حاضراً أو في حكم الحاضر لتقدم ذكره، والضمير في الآية عائد إلى اسم الإشارة الذي قصد به ما تقدم ذكره من (صَلَى الجحيم) ونحو هذا قوله تعالى: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب( ) ولو كان الأمر كما ادعوا لكان قاضياً بأنهم يرونه سبحانه وتعالى، فإنك عندما تقول لأحد تبكيتاً وتقريعاً: هذا الذي كنت لا تصدق به. لا يمكن إلا أن تكون مشيراً إلى شيء أوضحته له بعد الخفاء، فقامت بوضوحه الحجة عليه به، ولولا تفاهة قولهم هذا الذي حملوا عليه كتاب الله غير مبالين بتحريف الكلم عن مواضعه لسقت نصوص أقوال المفسرين في قوله جل وعلا هذا الذي كنتم به تكذبون لاسيما الذين يعتقدون الرؤية منهم ليتضح خطأ هذا التأويل الفاسد غير أن فساده أبين من أن يحتاج إلى بيان:-
وليس يصح في الأذهان شيء إن احتاج النهار إلى دليل)( )
ونحن نرى الطحان يجتريء على الله سبحانه وتعالى حينما يقول في كتابه العزيز: لا خير فيه. ولا يرى في نفسه حرجاً، أما إن رد أحد كلام أحد مبطليهم وبيّن عواره فإن ذلك عنده جريمة لا تغتفر ويعتبره سخرية من السلف الصالح، وما هذا إلا دليل على أنه يقدم أولئك الذين يزعم أنهم من السلف الصالح على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

نصيحة
...ودعاء
وقبل الختام أريد أن أوجه نصيحة إلى الطحان وإلى الحشوية جميعاً، وهذه النصيحة تتلخص في دعوتي إياهم إلى مراجعة عقولهم، والنظر في عاقبة أمرهم، وعدم محاربتهم لله سبحانه وتعالى باعتقاد ما لا يقره عز وجل في حقه، وفي محاولتهم صدع جدار أمة الإسلام بإلقاء الشبه فيما بينها، وإثارة البغضاء والخلاف والشقاق بين فئاتها، فإن هذه الأمة أمة واحدة، وعلى هؤلاء -على الأقل- إن لـم يرجعوا عن ضلالهم في معتقدهم -فذلك شأنهم- أن يكفوا عن التعرض لهذه الأمة بما يثير الشقاق والخلاف فيها، وإلا فإن وبال ذلك سيعود إليهم: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( )ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ( ) إن ربك لبالمرصاد( ) فهذه الأمة لا بد من أن تظهر وتجتمع كلمتها وتلتقي جميعاً تحت لواء الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام اللذين يحاربهما الطحان ومن معه بدعواهم الباطلة أنهما لا خير فيهما وأن المتمسك بهما ضال إن لم يحكم فيهما أولئك الذين سماهم بالسلف الصالح وما هم من الصلاح في شيء، كما جاء ذلك واضحاً صريحاً في كلامه، فالله المستعان.
والأمة لا بد من أن تتحد وتتآلف ويقترب بعضها من ببعض ويزول ما بينها من الشقاق، وعندئذ يشرق صبح الصحوة على هذه الأمة، ولن يبقى للخفافيش التي تمرح في الظلام ساعية لتفرقة هذه الأمة وتوزيعها عضين مجال لما تصبوا إليه وما تحاوله وما تحرص عليه من إثارة البغضاء في هذه الأمة، فعندما يشرق الصبح تفتضح هذه الخفافيش بمشيئة الله تعالى.
سبحانك اللهم نستغفرك ونتوب إليك، نسألك ربنا ألا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، ونسألك ربنا أن تجمع شمل هذه الأمة على خير، وأن تبرم فيها أمراً يعز فيه الحق وأهله ويخفض فيه الباطل وحزبه، نسألك اللهم أن تنصر الحق وأهله وتقطع دابر الباطل وأهله، نسألك اللهم أن تجمع كلمة المسلمين على الخير وتؤلف بين قلوبهم وتوحد صفهم، وأن تقطع دابر أعدائهم، وتستأصل شأفة جميع أعدائهم.
نسألك ربنا أن لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا عيباً إلا أصلحته، ولا غماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا عافيته، ولا غائباً إلا حفظته ورددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا عدواً إلا كفيته، ولا دعاءً إلا استجبته، ولا رجاءً إلا حققته، ولا بلاءً إلا كشفته، ونسألك ربنا أن تؤلف بين قلوبنا، وأن تنور بصائرنا، وأن تطهر سرائرنا، وأن تلهمنا رشدنا، وأن لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، نبرأ إليك من فعلهم وقولهم، ونبرأ إليك سبحانك من كل قول قاله مبطل في حقك، نسألك ربنا أن تحيينا على عقيدة التوحيد والتنزيه، ونسألك ربنا أن تميتنا على عقيدة التوحيد والتنزيه، ونسألك ربنا أن تبعثنا على عقيدة التوحيد والتنزيه.
نسألك ربنا أن تجعلنا أتباعاً لكتابك ولسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونسألك ربنا أن تحيينا مناصرين لكتابك ولسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، عاملين بما فيهما، معتقدين بما جاءا به معرضين عن كل ما يخالفهما، إنك ربنا على كل شيء قدير.
نسألك ربنا أن تجعل كتابك الكريم قائدنا إلى الجنة يوم الدين، إنك ربنا على كل شيء قدير، وصل اللهم على رسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الفـــــهـــرس
الموضوع الصفحة
التقديم 5
المقدمة 7
سبب إلقاء المحاضرة 14
عجز شبه الباطل أمام دلائل الحق 17
موقف علماء أهل السنة من الحشوية 30
الحشوية هم الخوارج 42
صفحات ناصعة من سيرة الإباضية 59
حكم أهل البغي عند الإباضية 59
سيرة الإمام طالب الحق الكندي في اليمن 61
سيرة الإمام أبي الخطاب المعافري في طرابلس والقيروان 64
سيرة الإمام عزان بن قيس في عُمان 68
دور الإباضية في حرب النصارى وطرد المستعمرين 69
دور الإمام الصلت بن مالك في طرد نصارى الحبشة 69
دور اليعاربة في تطهير البلاد الإسلامية من البرتغاليين 71
دور إباضية تونس في حماية جزيرة جربة من الأسبان 72
دور إباضية الجزائر في الدفاع عن العاصمة الجزائرية 73
اعتراف وإنكار 76
افتراء وجرأة على الكتاب والسنة 78
وسقط القناع 80
افتراء الطحان على سلف الأمة 90
بضاعة كاسدة واستدلال سخيف 94
الحشوية المشبهة والمتشابه من القرآن الكريم 97
خبر الآحاد وشذوذ الحشوية عن الأمة الإسلامية 99
موقف الحشوية من الصحيحين 102
الزيادة وكذب الطحان على السلف 107
اتهام الطحان من خالف اليهود بالغلظة 109
الحشوية تبني عقيدتها على القياس 111
الحشوية لا تفقه القرآن الكريم 116
الشبهة الأولى: الإدراك هو الإحاطة 116
التمدح الإلهي بنفي الرؤية والسفسطة الحشوية 122
الشبهة الثانية: الطحان يعترف بالحق ولكن 131
الشبهة الثالثة: تأثير الزمان على الله تعالى 133
الحشوية يردون على الله تعالى 136
اللقاء وتأويل الحشوية 138
الحشوية يتناقضون مع أسلافهم 142
المحدث القنوبي يزف بشرى إلى الحشوية 144
الحشوية فلسفة يونانية لاطريقة سلفية 147
منهج الإباضية ومنهج الحشوية 148
الطحان يحكم بقطع رقاب أئمته 152
الحشوية يبنون عقيدتهم على الأدلة الظنية 154
هيبة الرب تتعارض مع تجسيمه تعالى 155
الطحان يكذب على أشياخه 156
الطحان يفتري على الرسول الكريم 159
نموذج من أحكام دولة الحشوية 162
اقتناع المسلمين بالحق الدامغ 164
الحشوية تحرف الكلم عن مواضعه 165
نصيحة ودعاء 167
الفهرس 170
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وسقط القناع للشيخ أحمد الخليلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» Silence nobles تفريغ خطبة الجمعة (أدب الحوار ) للشيخ محمد حسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
¨°•√♥ منتديات الأصدقاء ♥√•°¨ :: الاصدقاء العام :: ابحاث - أبحاث عامة - بحوث تربوية جاهزة - مكتبة دراسية-
انتقل الى: