¨°•√♥ منتديات الأصدقاء ♥√•°¨
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 روآية رَشفَة ضَمير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عَهد آلشهدآءْ

عَهد آلشهدآءْ


عدد المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 16/05/2011

روآية رَشفَة ضَمير Empty
مُساهمةموضوع: روآية رَشفَة ضَمير   روآية رَشفَة ضَمير Icon_minitimeالأربعاء مايو 25, 2011 1:12 am

رواية رشفة ضمير: للكاتبة خولة القزويني

(( رواية رشفـة ضميــر ))

من أجل عينيكِ يا قدس أنزف حُرقتي...
أكتب قصتي أسفاً واعتذاراً...
بعد أن خان حبك العربي...
وانساق ذليلاً بركب المارد الأجنبي...
أكتب لكِ عن غدر القلم العربي...
حينما برر الغزو الأجنبي...


:

والان فصـول الروايه ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عَهد آلشهدآءْ

عَهد آلشهدآءْ


عدد المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 16/05/2011

روآية رَشفَة ضَمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: روآية رَشفَة ضَمير   روآية رَشفَة ضَمير Icon_minitimeالأربعاء مايو 25, 2011 1:15 am

الفصل الأول
منذ فترة وأنا متحفز لهذا المشوار بالرغم من خطورته، أضع الآن أشياء متناثرة في حقيبتي، ملابس داخلية، مشطاً، فرشاة أسنان، قميصاً واحداً وربما اثنين، الذاكرة تلقي ظلالها على الماضي الشاحب بيومياته الهزيلة ولحظاته الخانقة، ربما سكرة الضمير غيبتني كإنسان فتركتني كائناً باهتاً، أو المشهد الدموي الذي استفزني واستحوذني فانشق لسان قلمي إلى نصفين، النصف الظاهر بخطوطه الصفراء تحفر داخلي انهزاماً تراكمياً يجرني إلى الهاوية، والنصف المغيب في اللاوعي يرصد مشهداً نائياً خلف حدود الصمت يغوي قلمي المتراخي لينتهك غموضه المحرم..وأ
تزعجني (لبيبة) بسذاجتها حينما يستغرقها مشهد وداعي كمأساة، لو أنها عبرت تلك المسافة الفاصلة بين الوعي واللاوعي لأدركت أننا نتدحرج بخيباتنا نحو السقوط ونطوي تاريخنا المزيف بطلاء براق هرباً من وخز الضمير.
(للمرة الثانية أجهز لك القهوة).
تتمتم لبيبة بيأس لعلها تبحث عن مخرج لصمتي، اتركيني يا لبيبة في طقوس عبادتي، دعيني أتطهر من عار هزيمتي، غداً أطير إلى القدس وأنسلخ عن تغضنات جلدي وتمرغي بالأكاذيب.
(منذ فترة وأنا أقرأ في عينيك الغم والحزن).
تستدرجني لبيبة إلى حديث سئمت نكهته.
تنهدت:
(أقلق عليك حبيبي، فغزة تصطلي بجحيم الحرب).
(مزيداً من القهوة يا لبيبة).
اقتلعت جسدها المثقل بالهم وهي تحمل فنجان قهوتي التي بردت لمرتين، سأحاول شربها المرة الثالثة، ربما لن أنسى أعدك بذلك.
(غزة تحت النار) وقلمي يضطجع في الدفء مسترخياً في بطر بليد يهرف الأحرف الفاسقة من فوهة ضمير غائب.
(أنت صحافي مشاغب يا باسل، السياسة لعبة الذئاب لا يدرك فنونها إلا المحنكون، فقلمك طري يجهل خوض اللعبة بمهارة).
استنكر (عبد الجبار) رئيس التحرير مقالتي الأخيرة وبدمغة حمراء (غير صالح للنشر) حكم على حريتي بالإعدام.
تمتمت خلسة (إن النبع الذي تنهل منه آسن يا أستاذ!)، أستطرق باب المكتب بعد أن رميت الورق الممزق في الحاوية.
(قف من فضلك، لم أنته من حديثي بعد).
التفت إليه ملغوماً بالغضب، أخذ يبرر:
(إنها وكالات أنباء عالمية يراهن جميعنا على مصداقيتها)
(ولكن الحقيقة عوراء!)
تأفف عبد الجبار:
(إنك تصطاد في الماء العكر وترسم الحلم بخطوط وردية لن تصمد أمام الغول المتوحش).
عدت أشاكسه بأعصاب باردة:
(ولكن الحلم يبدأ بخطوة وأولها أن نشعل فتيل الأمل).
خبط على مكتبه بقبضة كهل ترتجف مفاصله:
(لا أمل يا ولدي إن المعادلة غير متكافئة والمقاومة شحيحة أمام ماكنة حربية عملاقة).
حاصرته:
(إذن لِمَ منعت مقالتي أن تُنشر).
استأسد بحكم منصبه:
(إنه قراري وأفهم تداعيات نشره في هذا الوقت).
سخرت بمرارة:
(لا أفهم التداعيات إلا أجراس صحوة توقظ الأمة القتيلة التي وئدت وهي حية).
(أرجو أن لا تنسى شرب قهوتك هذه المرة).
أقبلت لبيبة تتودد بأنوثة ناضحة بالبشر وترشح حناناً مفعماً بالخصوبة تستجيب لذبذبات مزاجي المتقلب، التصقت بي فمناخها ممطر دائم الخضرة، استنطقت فمي المقفل.
(لا أعرف كيف أعبر عن كربي يا باسل وأنا أشعر بحبي يتلاشى من قلبك، وشاخ قبل الأوان).
انفطر قلبي لرقتها الذبيحة وهي تنعي أياماً مفعمة بالحب.
(مازلت أحبك لكني أقمع صهيل الشوق داخلي لأدخل تجربة شرسة تضطرني أن أتجلد بحزم، فغزة الآن محرقة مستعرة تلتهم من يقترب من أسوارها الشاهقة وقد نذرت للحقيقة قلمي وللصدق كاميرتي وقررت أن أقطع شريان قلبي وأستبسل رغم معاول اليأس والإحباط، غداً أسافر رغم الخوف ورغم الذل سأكتب من قلب الحدث شموخها الأبي وملاحم أبطالها وهم يزأرون في الحرب بلا عون أو سند نموراً تلقي تحت أقدامها هزائم تاريخنا الذليل.
لا تشاغليني يا لبيبة بحبك عن حب يتأجج داخلي كلهيب النار).
(تطلب مني المستحيل)، انفجرت باكية.
احتويتها بأحضاني:
(مالكِ تغرقين بدموع الحب وهن يغرقن بنهر الدم، تتقلبين على الناعم والحرير وهن على الجمر والشوق ـ تتظللين برجل وهن بسماء القصف والدمار، طفلك يمرح كفراشة الفجر الضاحك وهن ثكالى قد مزقت شظايا الحرب أرحامهن فإذا بهم فتات، أنت تأكلين لذيذ الطعام وهن يبتن على الطوى).
اخترقتني بنظرة تائهة وهي تنتزع جسدها من بين ذراعي:
(لقد تغيرت يا باسل، لا أدري ماذا أصابك في الأيام الأخيرة صارت لغتك مبهمة)
كيف يمكن استحداث لغة مفهومة لامرأة ملفوفة بالحرير، فإن لغة ا لعالم تحاصرني، لغة الهيمنة الصحافية، لغة الماكنة الحربية، لغة الدولار، لغة الجينز والهمبرجر، لغة الغطرسة الهمجية، من يفهم أن هناك ميزاناً وسنن كونية؟ من يفهم معنى قيم العدل والحرية؟ من يتحدث بلغة الفطرة ولغة الإنسان ولغة التاريخ؟
(باسل هل تحدث نفسك؟)
انشقت آهة عن صدري تفتت الأكباد:
(أحاول البحث عن إجابة تختزل وجعي).
رنين الهاتف حرر لبيبة من هذياني، التقطت فنجاني لأشرب القهوة، جلست على مكتبي لأبحث في أوراقي القديمة عن تاريخي الصحافي، كم هو مذل للقلم الحر حينما يُعتقل في حظيرة دواب يُستأمر ليكتب، يُهمش ليغيب، يُضرب للاستلاب، المهم أن لا يتمرد على القطيع، أو يتخلف عن السرب، سنوات طويلة وقلمي يهرف الأكاذيب والمغالطات كضرع بقرة حلوب، تأكل العلف وآكل الفتات، البقرة مسخرة لمالكها وقلمي مسخّر لصهيون، لم أكن أفطن لعبوديتي إلا عندما استفحلت كارثة (غير صالح للنشر)، فللأستاذ صهيون أذرع طولى تمتد لغرغرة بلعومي، وسريري المنحوت في مصانع (u.s.a) وأشيائي بأطيافها الحمراء والصفراء والخضراء رسائل استعباد بختمه الأحمر، فلبيبة تتبضع من (ماركس سبنسر) و (هارودز) فتأتي فساتينها الاستايل ملطخة بعرق صهيون العفن وبصاقه القذر وهو يغزل نسيج الثوب إمعاناً في ذلنا وترسيخاً لعبودية الاستهلاك.
هل أنكر أقلاماً ربت وسمنت حينما كتبت غُثاء ومحاولات (عبد الجبار) المشبوهة وهو يثنيني عن قراري في رصد الحقيقة ودفعي المقصود إلى الصفحة الفنية.
(ليس هناك أروع من مغازلة الحسان، فالفن في أوطاننا رائج وسوقنا مكتظة بالأجساد الشهية).
(لكن الفن لا يستهويني) أعرضت بشدة.
أشعل سيجاره الكوبي الفخم ولا شك أنه مهُدى من الأستاذ صهيون، استراح كرشه الدسم بين فخذين رفيعين بعد أن نفث الدخان المهجن برائحة الدم والقطران.
(سأرسلك إلى فنانة الإغراء (ورود) فقد تناولت صحفنا العربية بالنقد والتحليل قضية كلبها الذي توفى قبل يومين، إذ قيل أنه مات قضاءً وقدراً، في حين اعترض الفريق الآخر مدعياً أن حسادها هم من أسقوه السم، فهذا الكلب هدية من أحد الأمراء العرب بمناسبة عيد ميلادها الثلاثين وهي الآن تعاني من نوبة كآبة).
إنه سبق صحافي يا (باسل) سيتصدر هذا المانشيت صحيفتنا ونكون الأسبق في خدمة ربة العفاف والصون!
(قلت لك إني لا أحب هذا النوع الرخيص من الصحافة).
إذن (باب الثقافة!)
استجمعت بقايا أعصابي الممزقة لأصغى إلى اقتراحه.
فاستطرد كمن وثق من مرمى أهدافه:
(يمكنك تغطية المؤتمر الثقافي الذي عقد في فندق (نجمة العرب) إذ حضره كبار المثقفين والأدباء، حاول أن تتابع يوميات المؤتمر وتطلع على الأوراق والقضايا المطروحة).
خرجت في ذلك اليوم المشحون بالأحداث إلى فندق (نجمة العرب) وأخذت المقعد الأمامي من الصفوف المجردة من الكائنات البشرية بانتظار مثقفينا الفطاحل وهم يطرحون حلولاً لمشاكلنا، لمآزقنا، لإحباطاتنا، لشبابنا المعطل بفعل التخدير اليومي.
المقاعد خلت إلا من الصحافة، النخبة المتعجرفة، التفت حولي بحثاً عن شعب يجلس وبيده كيس ذرة وقنينة ماء، أستفقد في هذا المدى الفارغ أخي، أختي، أمي، أبي، الناس الذين من أجلهم يستشهد القلم، أشباح غريبة، أجساد محنطة كأصنام الجاهلية تجلس قربي، كهول ارتجت القاعة بأصواتهم الصدأة، أسماء لم أعرفها أبداً، اغتاظت ذاكرتي وهي تتصفح ملفاتها بحثاً عن هوياتهم الضائعة، عادت بحسرة فما عرفت إلا أسماء لقيطة من فضائيات متبرجة، للاعب كرة قدم، مهرج، فنان، وهذا الأديب العملاق الذي كاد أن يلفظ أنفاسه الأدبية بعد كلمة عصماء نكرة بفعل التسطيح المتعمد، تناهب النخبة ورقته بالنقد والتحليل البيزنطي.
أفتى أحدهم:
(الرجعية والتخلف الديني اعتقل المرأة في خرقة قماش بزعمهم أنه الحجاب وخلاصها من هذا الاستبداد).
واجتهد آخر:
(الرغبة المشتعلة والصراع المتأزم مع قيم الرجعية التي سحقت إنسانيتها واحتكرتها لرجل واحد بينما هو يرتع ويلعب مع خليلاته!)
وقرر أحد النائمين:
(الاضطهاد الذكوري الذي دفعها إلى الهرب مع عشيقها والانتصار لحبها المستحيل).
لم أستطع إلا أن أتقيأ فكراً طفح في ذاكرتي المنتفخة بالنفايات، وعرفت لماذا يخطئ أحمد طالب الثانوية عندما أسأله من هو (يوسف إدريس؟) يجيبني (لاعب كرة قدم).
عرفت الآن رخص الكلمة، ورخص الأدب، ورخص الكتاب، وأن رغيف الخبز حلمنا الباقي من أحلام ألف ليلة وليلة وبقايا من أطلال حضاراتنا يا كرام.
لِمَ جاءت كلمة الكاتب بهذا الرخص والإسفاف؟ لِمَ غزة تقتل ويجرح قلب القدس وهي أسيرة بني صهيون.
إن الرصاصة أرحم من كلمة مزورة، وخفافيش الليل المرتزقة هم الجرح والسكين، هم الرصاص والقتلة، هتكوا العذرية والعفة، طوقوا قلبها المطعون بشوك الغدر والتوطين فكان القرب من شواطئها محال.
أذكر.. يوم أن خرجت إلى الشارع وحبل كاميرتي يسترخي على كتفي ألهث خلف اجتماع طارئ قد تجمعت قادة القوم في مؤتمر التآمر لتغطية الحقيقة وفبركة الحدث بمانشيتات إيحاء أن معاهدة الصلح برد وسلام، الطرقات إلى الفندق مكتظة بالشرطة، الأعلام ترفرف كالأصم يصفق بصعقة تيار إحساس، فشموخنا المكسور وعزتنا المنتهكة مدفونة في الذاكرة المشلولة ونعيش دوماً في الوهم والكذب، فغزة الجريحة تنتظر الطبيب وقدسنا المغتصبة تتبتل مغتربة وتناشدنا بعد كل مذبحة، (ألا هل من ناصر ينصرني، ألا هل من ناصر ينصرني)، والمئذنة العريقة تلعن تواطئنا الدنيء مع جلادها الظالم.
الأحداث الماضية تتعاقب بسرعة وتحمل في مضامينها مشاهد الخزي والعار، فالعجز الرابض في أرواحنا استأصل الفحولة وشل إرادة الفرسان، خواء الفكر، فتور العزيمة، انهزام الإرادة، تحنط الساسة والقادة، العجز التام في النخوة والإحساس، نضوب القلم وشح الزعامة، لهذا لم أشأ أن أموت في حظيرة الدواب، سأهرب بقلمي، بكاميرتي، بقلبي، سأسترد رجولتي، ذكورتي المنتهكة، أشعر أني عريان أمشي على استحياء لأني بلا هوية، لن أسقط ورقة التوت كما تجرد منها باقي الرجال.
قدمت استقالتي ليس من الجريدة فحسب بل من خواء حياتي، من بلادتي وسقمي، من فراغي المنخور، من سعادتي الوهمية، من زمن متناقض سيّد المنافق حينما تزلف إلى جبابرة الدولار لينهم من جيوبهم الجاه والسلطان.
ضحك (عبد الجبار) ضحكته الفاجرة لأن الأرنب المنسلخ عن حظيرة الدواب ستمزقه الوحوش المفترسة.
تراكمات الأحداث المحبطة نسجت داخلي وعياً وباستعداد جريء للدخول في معركة مصير أضطر فيها التجرد عن كل رغباتي المشتهاة ويومياتي المريحة وأخوض معترك الصراع بقلم حر، سخر مني زملائي وظنوا بي الظنون فقاطعوني.. تارة عميل لقوى خارجية، وتارة أجير لحزب له أجندة ذات طابع إرهابي، بالرغم من ضغط المادة وشظف العيش واستهجان الناس أشعر بالراحة لأني مزقت شرنقة الطفل الساذج وخرجت إلى الضوء بحثاً عن ذاتي المتلاشية في غول صهيون وهو يبلعنا كُتاباً، قادة، نساء، شباباً، يهضمنا بشبق ثم يلفظنا فضلات.
سأتجهز لمشروعي وأعيد صياغة ذاتي وألملم أفكاري المبعثرة لأقول لك يا وطني العربي أن الوجه الباكي لغزة يحمل عنوان جهاد، أعرف أنهم عملوا على تهميش الأبطال وتعتيم صور المقاومة الفذة ونزعوا منا فتيل القوة باستظهار صور الضعف ومشاهدها المنكوبة صور الإبادة وملامحها الكئيبة لتستسلم صاغراً لهيمنة صهيون، لتقر بجبنك وتستعظم ماكنته الحربية وفخامة جيشه المنظم، اشطب من قاموسك العربي مفاهيم العزة.. هل تذكرها؟ (الجهاد، الشهادة، المقاومة) القيم المقبورة في مزبلة التاريخ وإنعاش مفاهيم الذل والاستسلام كالصلح والمعاهدة والهدنة.
وكان قراري أن أرحل إلى القدس وأصلي في محرابها صلاة الميت على أمة قتلت تاريخ نهضتها وسلمت لبني صهيون ثروتها، ثم أرحل إلى غزة لأوثق ملاحم الأبطال، لأكتب لوعتها وهي تنعي تكبيرة الجهاد حينما كان لحنجرة العربي زئيراً في صولات بدر وجولات خيبر، سأصور مشهد الأم المنكفئة على جرحها النازف وأدون زغاريد فرحة الأبطال.
كل شيء سينطلق من هناك.. الموقع الإلكتروني الذي أعددته نافذة على العالم وأعنونه بـ (رشفة ضمير) صحوة فجر جديد لكل من كتب بضمير غائب ومن غزة الباسلة أرسل صور البطولة تشهد لفرسان يقتحمون عمالقة السلاح، لن أيأس وإن غرقت أمتي في إحباط، سأكون أول من يشعل في ليلها الدامس شمعة، من ذلك البلد الملغم بالعناد أبعث لشبابنا جذوة نخوة وأشعل فيهم فتيل حماس، سأسجل في كل يوم لوحة عشق لله تلهمنا الصمود والإيمان.. صحافتي الذاتية ستقتحم الوطيس وتخوض الوغى وترفد من ضرع الأم لبن الشجاعة والنخوة.
في لحظات أقف على مفترق الزمان وأحدد لذاتي مساراً مشحوناً بالأحداث العصيبة لكنها تنعش إنسانيتي وتعيد ذاكرتي لأبدأ من جديد إنساناً بضمير حي.
ودعت لبيبة وقبلت طفلي النائم كملائكة السماء حينما ترشف من رحيق الكون شهد الطهر.
تتشبث بي وكأني لن أعود إليها ثانية، دموعها تغتسل ذنوب حياتنا المتبطرة وقلبها يخفق بعاطفة كسيحة، متى تشعر هذه المرأة أن قدسنا المسلوب حصاد أنانية شعوب مترهلة، متى تعرف أن فجيعة غزة غدر شعوب جبنت عن قرار خلاصها، متى تدرك أن مذابحها جاءت بعد وباء الذل حينما أمات ضمائر الأمة.. وشبابها الغارق في وحل غرائزه البهيمية وشهوة الحياة واللذة، متى تؤمن أن جرح فلسطين إثر طعن خنجر غدار وذبح سكين الذل والعار، فصمتنا الميئوس من بوحه وسكوتنا المفجوع بالنكبة واستخفافنا الأحمق بسنن الكون والتاريخ أزّمنا بمرض عضال فإما الموت أو الاستئصال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عَهد آلشهدآءْ

عَهد آلشهدآءْ


عدد المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 16/05/2011

روآية رَشفَة ضَمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: روآية رَشفَة ضَمير   روآية رَشفَة ضَمير Icon_minitimeالأربعاء مايو 25, 2011 1:17 am

الفصل الثاني
الطائرة تحلق بعيداً عن أرض ساكنة تغفو كطفل محموم، أجد في كل شبر من أشبارها موقعاً متقيحاً بصديد الخيبة والإحباط، المذابح التي تركت في قلوبنا وجعاً متأزماً كانت أشبه بأفلام رعب تأخذ سخونتها الآنية ثم يبرد أثرها ويتلاشى، نسينا أنها قضية مبدأ، عقيدة، دين، مسؤولية، لما غابت كل معايير الإنسان وتهتكت على مرأى العالم، وقرآننا المهجور يوعدنا بالنصر حتى لو كنا فئة قليلة وأن الله معنا قوة وملاذاً لو أننا نصرنا دينه، لو تمسكنا بحبله، لو تآخينا في حبه عز وجل لتمكنا من عدونا ولملكنا الأرض.
ما أجمل الكون حينما نقترب من السماء النائية وبصرك الممتد في الفضاء يتهجد في رحابها الآسر ويخطف بريق الضوء ذاتك المعجونة بأديم الأرض والملائكة تنسجك بخيوط من نور تغربل أناك المتضخمة بزخارف الدنيا وحثالة بهرجها الفاني فتلقي فتاتك الباقي في حاوية الماضي والنسيان.
الشعاع المنهمر من بعيد حينما هبطت الطائرة أربكني بعض الشيء، ربما الظلام الدامس الذي عشته سنين جعل النور المنبلج من ثقب الحقيقة يقشع غشاوة عيني في بغتة فيزعجني الغبش بضبابية تكشف عن حلم، المشهد الرهيب أضرم داخلي قدرة على الاستبصار بالعين والقلب مما أبكاني وطهرني وأضفى أنواراً متألقة فوق جبيني..
قبة المسجد الشامخة وباحتها الضحوك وهي تستقبلني ببشاشة عاشقة وحمائمها البيضاء ترفل في فضاء الصمت متبتلة وهديلها يصدح في الأفق وذبذبات كونية ممغنطة خارقة شملت محيط المسجد بهالة لؤلؤية فخشعت كل الكائنات في مداراتها الشفافة وتضوع عبق البخور في الزوايا المتعرقة بخطوط رخامية مرصوصة، لو استنطقت كل حجر لتأوه حسرة وأمطر دمع الوحدة والخذلان، فأنين الغربة موثق لحقها المغصبو واستغاثتها الجريحة (ألا هل من ناصر ينصرني) من ينصرك يا قدس الحبيبة ودين العرب الدينار والدولار، من يفك قيدك وهم سكرى في عشق الغيد والغزلان، من يكفكف دمعك وهم شراذم أقزام؟
دخلت الفندق لأتناول وجبة خفيفة، كان لي توحد ذا طبع انشطاري في التعاطي مع يومياتي المجدولة بكثافة فهي تأخذ أبعاداً مختلفة وأنشطة متعددة لكنها تندرج تحت خانة (الضمير) فجهاز (اللاب توب) حرضني لمخاطبة العالم فهو الشاشة التي ستنقل الأحداث لكل كاتب، صحافي، زائر، ليكتشف أكاذيب الأقمار المزيفة وهي تلتقط المشاهد بعين عوراء وتكيل بمكيالين، لكني سأنقل الصوت والصورة وجنوح الفلسطيني إلى الجهاد بروح مدججة بالصبر والإيمان.





المشهد الأول:


(هذه رشفة ضمير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه)
نهار الجمعة دموي في باحة القدس الشريف، صلى العباد صلاة الوداع.. ثم اشتبك الطهر بالرذيلة، الحق بالباطل، العصابة المتهتكة استباحت العفة، صراخ الإنسان المقهور في حملة عنف يستأسد فيها الفئران بالسلاح، أشبال المحنة يرمحون كالغزلان ويرشقون حجارة العزة بلا خوف، شاهدت فرحاً بطولياً يعربد فوق شفاههم الذابلة كبروا بدوي كالإعصار يتناهبون جائزة الشهادة عن عزم وإصرار، المشهد الدموي عرساً متدفقاً بالحياة أرهق الدفق الحديدي للماكنة الحربية.
هل تعرفون أن الأمهات في القدس متنمرات، لعيونهن بريق اقتحامي ووهج بطولي شف عن صبر، وجذوعهن الفخمة كشجر الزيتون الشامخ، وخمرهن المعبقة بماء الزهر، ينهبن الطرقات الوعرة يستطلعن ثغور الأعداء، ترحل ذاكرتي إلى بائعة الخبز الثورية وكفاحها من أجل الحرية، أطعمتني خبزاً عجنته يد قمحية، متعرقة بخطوط شاء القدر أن يحفرها كخرائط مقاومة متحدياً بها كل عوامل الطبيعة، تيارهن الأمومي المكهرب بالأنفة والاستعلائية أتخمني عزة وفخراً.


المشهد الثاني:


هذه رشفة ضمير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تسكعت في الشوارع الندية بالرذاذ والأزقة الدافئة بالحنان والحوانيت المتآكلة بالقذائف والشظايا، تلفت نظرك شرفات منازل محتشدة بعصافير مغردة بحكايات معطرة بالليمون، وموال فلاح مقهور يعشق مريم أيقونة حبه العذري، شعرها يطير كسنابل قمح صفراء ترقص متحمسة على قرع الأجراس تحتضن غصن الزيتون هاربة إلى المعبد لتصلي، وفاطمة قنديل الطهر عابدة في المحراب تبحث عن وطن لحمة حب نبعها فطرة إنسان تنشطر إلى فاطمة ومريم، هنا تكتشف الجوع النابت في الأعماق غول متوحش يزرع فيك قوة متكتمة تختزل سنين المحنة والتهجير، أطفال يستنبطون رجولة، ونساؤهم لسن كنساء مدننا المترفات، فهن عابدات وتلفحت وجوههن بندف القطن الأبيض وتركن عيونهن المشروطة كحبات الزيتون الأخضر يتزعمن قوافل الشرفاء لاستكمال دورة التاريخ حتى انفراج الأزمة وخلاصهن بظهور المنقذ، فصراخهن استغاثة عقائدية تجلجل في الكون برعد شتوي يقهر الجرذان المتحصنة، لبعضهن سيادة فطرية انغزلت في نسيجهن منذ أن رشفن رحيق الشهادة وطعم الجنة فقدمن الزوج والولد قرابين لوطن الحرية، سألتهن ألم تيأسن بعد؟ أمازال فيكن ريق أمل؟ فإن العالم يتحد لحربكن، كل عناصر القوة تغذي ماكنة صهيون (الكلمة، المال، السلاح) وأنتن تحاربن بالغصن والحجارة والليمون؟
أخذتني (أم عمران) إلى حجرتها الباردة المجردة إلا من طاولة عليها مصحف وكوب ماء وشراشف مرمية بإهمال في ركن متآكل، أشارت إلى حائط مرصع بستة جواهر (كلهم شهداء ولو كان لي ولد آخر لما ترددت!)، عبرت باقتدار.
كدت أن أسقط تحت قدميها الطاهرتين وأتمرغ بهما وأقبل من تحتهما التراب، فشبابك يا فلسطين ليوث حرب وشبابنا قطط سمان تموء مترنحة في المقاهي والحانات يتناهبون جائزة ستار أكاديمي أو يتكورون على ضعفهم كما الكرة التي استهاموا بها فلعبت بهم قبل أن يلعبوا بها، المقاييس هنا مختلفة تماماً كلما يشتد الحصار ويحمي الوطيس يلتهب العنفوان، الموت جنة فردوسية تستحث عزمهم فتلبي الشهادة نداءهم.
الأطفال الشقر أشبال مستأسدة تنتشر في الأزقة كعساكر طريق، في القدس لن تجد منازل تقليدية لها أضلاع وزوايا وارتفاع، هنا مخابئ مؤقتة، معاقل مقاومة، حفر اختباء عارضة، حالات طوارئ تأخذهم من الدفاع إلى الهجوم، لا تنام العيون إلا عندما تهبط الشمس فتكشف وجه المدينة الغافية وتختفي الأشباح في الجحور وتأمن الناس غدر هجمة مباغتة.



المشهد الثالث:


هذه رشفة ضمير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه..
على مشارف غزة ملاحم وبطولات، أذهلتني مشهد العربة المتسكعة تحت القصف تجرها بتباطئ طفلة في فجر العاشرة، تركتها للحظات وجلست متكومة تحت مظلة بيت مقصوف، التقطت رغيفاً من بين أرغفة العربة وقضمت كقطة متوحشة.. عيناها صاروخان ناريان، اقتربت بالمسافة لألتقط الصورة، انتفضت كالبركان وقفزت لتخربش وجهي، تراجعت في ذعر،
نهرتني:
(لسنا للفرجة يا سيد).
استوقفني وجهها المتضرج بحمرة الانفعال، مشتعلة، لعلها تعلم من لطخ غزة بالعار، فاستنفارها الهجومي شف عن خيبات متراكمة.
بررت موقفي مرتبكاً:
(أردت أن أفتخر ببطولة إنسانة هزمت خوفها بإرادة استثنائية).
اعترضت:
(إن الصوت القادم من ناحيتكم ينخر بطولتنا ويشوه مقاومتنا، نحن هنا نسمع لا نقرأ، نسمع بقلوبنا الحية، فالقصف اليومي أيقظ فينا حساً فاق حسك أيها العربي، أنا في غزة أسمع دبيب النملة ولا أراها، وأنت ترى النملة ولا تسمع دبيبها، نسمع أنكم تنصبون كل يوم سرادق عزاء ومآتم حزن لأبطالنا الشرفاء ونحن في غزة نزغرد، نرقص، نصفق، هذه العربة مشوار جهاد، أعرف أنني ربما أسير في طريق اللاعودة وأدرك أن محطتي هذه تأخذني إلى محطات أُخر قد لا تكون على ظهر الأرض، فالموت يرافقنا كصديق، يزورنا بشكل يومي، لا من أجل أن ننقرض بل ليحل بنا إلى دار ينتظرنا فيها الأب، الأخ، أو الصديق، ففي كل الأحوال هناك شوق للحاضر والغائب، فسيان عندي أعيش أو لا أعيش، بالأمس كان أخي أحمد يجر هذه العربة وربما غداً أختي الصغرى، لن تفهم أيها السيد طقوس حياتنا الملكوتية، إنك تظلم غزة حينما تصور وجهها منكسفاً لأنك لا تعرف كيف تفسر تقاطيعها النبيلة، فعيونكم غشيتها غلالة التعتيم عجزت عن استنباط الأعماق لتستأصل الجوهر المقصود.
صمتت هنيهة واستدارت إلى الناحية الأخرى مستنكرة وقفتي مستعلية في إباء صفعتني ومشت.. لوحت بذارعها من بعيد واختفت بين الأزقة، تركتني مغتسلاً بأنهار الصحوة حتى حبل كاميرتي تراخى فوق كتفي خجلاً هل تتعطل في هذا المكان قوانين الطبيعة، إذ أرى للجمادات نفضة روحية... هل تابت كاميرتي من حشريتها وتطفلها؟! صرت أختبئ في الحارات المكتظة بالأطفال عندما دك القصف أضلع غزة فشهقت شهقة موت عملاقة ولفظت قصائد عزة وإباء.



المشهد الرابع:


هذه رشفة ضمير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه..
الشهداء يتساقطون كزخات مطر في يوم قائض فاهتزت الأرض وربت ونبت فيها السؤدد والكبرياء، هتافات التكبير تسرج صفحات التاريخ الناصع.. طيران العدو كأشباح الموت السوداء غطت سماء غزة الداكنة، شُح الطعام وخلا السلاح وفتية أشداء يتقدمون إلى الموت فداءً، متاريس كرامة، دروع بقاء كي يظل صوت غزة لهجاً بالحياة، لا يمكن أن تعرف حجم الذبح ونزف الدم، استنفار مذعور لإسعاف الأطفال، ألسنة النار تضطرم بين فتات الأحجار المتساقطة، ارتباك تغذيه الفوضى والفزع وكأنما يوم الحشر تجسد في هذا المشهد، أجسام لحمية متراصة في امتداد طويل كجسر دموي، طفولة تتمزق أشلاء فوق جمر القلب المتضور عذاباً، نكبة الحضارة وعارها المفضوح وقوانينها الوحشية ترجم في بانوراما حية، الحصار القهري لغزة كحصار قريش لأتباع محمد (ص) بتواطئ عربي وغربي ظالم زعم أن الإبادة الآدمية جاء بقرار فتية امتهنوا الموت وعربدوا في مخاطرة حمقاء تحت ذريعة المقاومة.
الإرهاب المتغطرس يطعم وحش الحرب قرى آمنة ويتأرجح في قرارات مفبركة تستهدف القتل والاستيطان.
الأبطال في هذه الجغرافية اخترقوا حكومة غزة المتخاذلة وكشفوا وجه القبح العربي ونكأوا جرح الذاكرة ونكسة 67 والعجز المنخور في قرار القادة، أيتها الذاكرة الموجوعة بذكرى الماضي عودي إلى نومك ثانية فصهيون خدرك برحيق السلم، وضللك بوعد (بلفور) الشيطان وأنت يا عربي إنسان أحمق لم يصرعك صدفة بل جهز لك مائدة خمر وباقة حسان سلبتك الوعي والاستبصار وفصل تيارك عن بدر وأحد لأن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وشلّ ذاكرتك بالتقليد والتطبيع فتهت عن زمانك، وتنصلت عن جذورك فحدت عن الطريق.
ثقافتنا الآن كلمات متقاطعة، ترهقنا الحيرة حينما يعجزنا الحل، نستسلم لفراغات كبيرة يشغلها الغموض والإبهام.
إن ما يحدث في الواقع كربلاء جديدة بثوبها المأساوي.. فالمنازل منهارة على جثث متفحمة وأشلاء متقطعة، مجازر دموية رهيبة نهمت بوحشية كل تقاطيع الإنسان وعربات الإسعاف تنعق كالبوم في الطرقات الغارقة بالدم ونثار اللحم المبثوث، بانوراما استشهادية محرضة على الكفر بقانون الإنسان الغربي، كاميرتي لا تستوعب حجم الإرهاب الدولي ومحرقة الأطفال اليومية بلا ذنب أو جريرة.
يا كاميرا الصحافي العربي استنطقي صوت النخوة في كل قلم ذليل وحبر رخيص ليفضح قانون الغاب ومزاعم العدل والحرية حينما صدرتها ثورة فرنسا وفلاسفة الإغريق.
ما أعنفها من محنة، ذعر الآباء فإدراكهم يتلاشى من هول الصدمة يتساقطون فوق حطام بيوتهم أشلاء أبنائهم بحثاً عن ذبالة أمل تستعيد قلب حي من بين ركام اللحم.. أو حجراً يبني البيت المنهار، خطف الموت عصافيره.. والتهم عشه وانعدم الهناء.. هل كانت نذر الخاتمة؟.. إن المقاومة قبضة شعبية حشدتها النكبات، هي الرفات والأشلاء والأحجار صرح يفزع في الملمات.


المشهد الخامس:

هذه رشفة ضمير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه..


أجريت لقاءً صحافياً مع قائد متحمس يرتدي كفناً أحمر، سألته مبهوتاً:
ولِمَ الأحمر؟
قال: (إن الأحمر جهنم مشتعلة، لن تبرد حتى تقتص من آخر صهيوني يختبئ خلف حجر).
- ألا تعتقد أنه ليس هناك توازن في القوى؟
وينشق وجه القمر عن بسمة كضوء الشمس:
إن التاريخ ليس بجاهل أو أحمق حينما وثق الملاحم والبطولات واحتضن في طياته حماة البشرية فلولاهم لعشنا في الغاب، إن العرب فقدوا ذاكرتهم ولغوا من تاريخهم حقائق وأرقام بطولات مشهودة لفرسان كزبر الحديد، كليوث الوغى نحتوا بصمات تتجدد على مر الأزمان، فللحسين في كربلاء بطولة وفداء، ولعمر المختار ثورة تضحية وإباء الاستشهادية.
لو صافحت عدوي ورضخت لمعاهدة استسلام لتحولنا وبعارٍ يلطخ صفحتنا من أبطال إلى جرذان، لسقطنا حُثالة في مزبلة التاريخ.
- أنتم متهمون، فالموت الجماعي الذي هزّ وجدان العالم أنتم سببه؟
إن عالمنا العربي مات منذ سنين، منذ معاهدة (كامب ديفيد) فموت العزة، موت النخوة، وموت القيم والحرية لهي أنكى وأشد من موت الأجساد، الموت الجمعي لضميرنا العربي ورث أمواتاً تلو أموات قوافل مهزومة مرصوصة كأصنام لا تسمع، لا ترى، لا تتكلم، لكن موت شبيبتنا سنابل قمح نحصدها غداً حرية وكرامة.
- إن سلاحكم بدائي جداً لن يضاهي سلاح العدو؟
إن سلاح عدونا حديد بارد خاوٍ من عزم وروح يفتقد القبضة المشتعلة بالقوة والحزم، فرصاصهم ينشق عن خسة وضعة ورصاصنا مصهور بالنخوة والإيمان، فالكف التي تحمل السلاح كف محارب متمرس عشق الموت وتحفز له لأن الموت في سبيل الله شرف وكرامة، إن قوانينهم الحربية فناء ونهاية ونحن انطلاقة وبداية لمشوار مليء بالحرية والأمل.. أو لجنة الفردوس عند مليك مقتدر.
- إن العدو يمتلك غطاءاً جوياً بينما أنتم تفتقدون ذلك؟
إن غطاءنا الجوي هو قدرة الله ويد الغيب الجبارة التي تطوّع قوانين الطبيعة لإرادته سبحانه وحكمته، فبإشارة بسيطة من أصبع الرحمن (كن فيكون) تنقلب الموازين، ألا تعرف يا أخي ذلك القانون الذي فاق قانون فيثاغورس وقانون الجاذبية لنيوتن وكل قوانين الفيزياء والكيمياء وغيرها كلها تنحدر من أصل القانون الكوني والسنن الإلهية التي تتحدى قوانين الأرض والطبيعة، ألم تقرأ في القرآن الكريم آيات الله عز وجل في خلقه إذ أبطل سبحانه مفعول النار عن حرق سيدنا إبراهيم (عليه السلام) فقال: (يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم).
هو من رزق سيدنا زكريا الشيخ الهرم وزوجه العجوز العقيم بيحيى عليه السلام.
هو من قدر لمريم العذراء أن تحمل وتلد بعيسى عليه السلام دون أن يمسها بشر.
هو سبحانه من نقل عرش بلقيس إلى نبي الله سليمان (عليه السلام) بطرفة عين.
هو عز وجل من رد يوسف (عليه السلام) إلى أهله ملكاً على خزائن مصر بعد سنين من فراقه عن أبيه يعقوب (عليه السلام).
هو وحده سبحانه من نصر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وهو الفرد الوحيد، الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب على زعماء الكفر والشرك وكون دولة الإسلام وها نحن نقطف ثمار هذا النصر عولمة الإسلام وانتشاره في كل بقاع العالم.
هل أستطرد بالمزيد من آيات الله عز وجل ومعاجزه وقدراته التي فاقت قدرة الإنسان وعجز العقل البشري الناقص عن استيعاب هذه الحقيقة، أم موسى (عليه السلام) حينما قذفت ابنها فلذة كبدها في البحر وكيف ربط الله على قلبها ثم رده سبحانه إليها.
إن الله سبحانه قادر أن يعطل كل قوانين الكون والطبيعة.
إن الله قادر أن يحيي العظام وهي رميم، فمتى إذن تتعطل هذه القوانين؟
يعطلها بأمره وإرادته إذا اقتضى أمره يرى فيه الحكمة، ويكافئ المؤمن الصالح حينما يثق به ويؤمن بقدرته فيلبي نداء هذا الإيمان.
إن قانون النصر الإلهي يقتضي أن تنصر دين الله وتجاهد لله وتعمل لله فإن الله سينصرك حتى لو كان عدوك أكثر عدة وعتاداً، سيكتب لك الغلبة والظهور حتى وإن كنت وحيداً مجرداً من كل ناصر.. ستنجح في علمك ومشروعك وسيثمر بركات ونعم طالما أحسنت الظن بالله وخلصت له النية، ومن هنا جاء الوعد الإلهي للمؤمنين (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
فغطاؤنا وعد الله، وسماؤه النورانية وإرادته الماحقة وسطوته وجبروته.
- إنكم في يقظة على الدوام لا يغمض لكم جفن أو تغفو لكم عين، ألا تشعرون بالإرهاق والإجهاد؟
إننا على نهج المسلمين المجاهدين الأوائل بناة الحضارة فقد كانوا رهباناً في الليل وليوثاً في النهار، وإرادة المؤمن حديد، وقلبه شجاع، وروحه قوية، له يقظة ووعي يتحفز بهمة كي يحمي ثغور وطنه ويحصن عفة نسائه ويحمي كرامة أبنائه.
التفت إليّ وكأنه يستل نفسه من عالمي المادي وجردني من ذاتي الواهنة بنظرة تقطر حزماً ورجولة حفرتني حتى طمرتني.. ثم تسلق حائطاً حجرياً طويلاً يفضي به إلى كهف منحوت في باطن الأرض، تلاشى كالحلم، تبدد كالسراب، تشبثت بأذيال الكرامة المزيفة كي لا أقع في بئر المهانة والإذلال، فقد غربلني حتى لفظت ثقافة الهزيمة المصلوبة داخلي قرون طويلة وتمنيت وقتها لو تحولت كاميرتي إلى سلاح أحارب به صهيوناً وأغسل عار ذلي وخنوعي.
يا كتّاب العرب، يا أقلامنا المتزلفة، المتواطئة سراً وجهاراً مع بني صهيون، يا أوراقنا الصفراء.. أولى لكِ يا أقلام الهزيمة أن تنكسري، أولى بك يا أوراق الذل أن تحترقي، أولى بكِ يا أمتى أن تنتفضي من سبات الضيم والذل والعدم، دعيني أغني لكِ أنشودة الإرادة، ألم يترك لكِ أبو القاسم الشابي أغنية الحياة وفلسفة الإرادة؟! إذ ورث إرثه الخالد (إذا الشعب يوماً أراد الحيا.. فلابد أن يستجيب القدر)، القانون المشروط بالثورة الفكرية والانتفاضة على الضعف حتى يذعن القدر وينتصر الحق والحرية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عَهد آلشهدآءْ

عَهد آلشهدآءْ


عدد المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 16/05/2011

روآية رَشفَة ضَمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: روآية رَشفَة ضَمير   روآية رَشفَة ضَمير Icon_minitimeالأربعاء مايو 25, 2011 1:20 am

الفصل الثالث (الأخير)
خرجت هذه الليلة أتجول في الطرقات بحثاً عن (مطعم) فقد شعرت بالجوع، القصف الجوي هدأ بعض الشيء وشاب المدينة مناخ حذر وهدأة ملغومة بالذعر والظلام يفترش بساطه الداكن ويطلي الكون بوحشة ساكنة، رغم وعورة الطريق والمحاذير التي تجاهلناها عن مزاجية فينا لا عن منطق، أخذت أتنقل في المباني العتيقة وأبحث بين الحارات الساكنة عن تلك الطفلة المتمردة والعربة المتأرجحة بين ذراعيها الصغيرتين.
الهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة جعلت فئران العالم يفرون من جحورهم إلى وجه المدينة، المراسلون، الصحافيون، الباحثون يتسكعون في الأزقة والطرقات وينسابون في المحال والحوانيت باطمئنان من وثق من توقف إطلاق النار، جلست في مقهى قديم يقع في غرب الفندق وطلبت (فطيرة جبن) وكوب شاي وصوت فيروز الماسي يأخذني إلى قبة القدس إذ تغرس حنجرتها المعدنية أغصان شوق فارعة تنغمس في شراييني وتنعتق بي إلى هوىً مستعر.. يشف عن خافق مرهف، حينما تغني (يا قدس من أجلك أغني يا مدينة الصلاة) ينتابني حنين إلى قرع الأجراس وآذان القباب والحمائم البيضاء تسرح في فسحة زئبقية، صعوداً إلى اللامحدود انعتاقاً في اللانهاية، الحرية الفضائية يحتويها الكون بذارعيه الممتدتين إلى ما ورائياته الغامضة.
أعتقد أن الغزاويين يختبئون الآن في معاقلهم بانتظار جولة جديدة فإن الحرب زرعت داخلهم جرس إنذار يلتقط موجات غير مرئية لا نلحظها نحن فقد توقتت يومياتهم القلقة بتوقيت حربي، فالحروب كانت دوماً الميزان والمعيار، ولعل قرون الاستشعار النابتة في جباههم تتحسس وقع ضربة جوية مباغتة أو هجمة بريّة مفاجئة، حالة استنفار وترقب حذر يشهدها المحاربون ويعدون العدة لوضع استثنائي لم يدركه إلا المؤمن الكيّس الفطن، سرب أبيض يقفز كالخيل الجامحة ويحمل بقبضة حديدية سلاح المقاومة وبصرخة مدوية ترتج لها الأرض (الله أكبر، الله أكبر) الأكفان البيضاء المستبشرة بالشهادة وسباق المنايا يأخذهم إلى ذروة البطولة دون هيبة أو خوف، الهرولة المقتحمة خطوط النار بهيمنة ربانية تستفز النخوة المتبلدة فينا سنيناً، تركت طعامي وفررت إليهم كالمأخوذ تسحرني هيبتهم اقتربت من السرب، شعرت بتنميل في أطرافي وخدر يزحف إلى كل أوصالي، حاولت أن أفتح زر الكاميرا لألتقط صورة المشهد الخرافي، ثقل ذراعي وألمت بي رعشة، فرت كتيبة الموت من أمامي وفشلي في هذه المهمة نخرني في العمق كجرح بل جمدني في مكاني، المسافة بيننا تبتعد، رعد في السماء، يشمل المكان فوضى ورعب، الطائرات أشباح سوداء تقتحم السماء وتقذف صواعقها المحرقة لتنفجر على الأرض وتسقط على الرؤوس، انقلب المناخ الساكن إلى إعصار مباغت حطم الموجودات وشتت الكائنات، الأحجار النارية المفتتة مع اللحم المنثور تتراشق فوقي وأنا جامد في مكاني لا أستطيع الحراك كأن قدماي التصقتا بالأرض، المشهد الكارثي يغرقني في جحيم الصمت والعجز، هلع الموت ورعب الفناء وانشطاري إلى ذرات حينما هوت قذيفة على رأسي تلحفت بغطائي، ألوان تتماوج بين الأسود الدخاني والأحمر الدموي والأبيض الملائكي، صرخة انعتاق الروح وانسلاخي عن الفضاء الجسدي.
(آي.. آي).
(باسل، باسل)
صوت لبيبة؟ أفتح عيني على وجهها الطلق، ويدها فوق قلبي توقظني من نومي وتتمتم بالمعوذتين.
(يبدو أنك حلمت بكابوس)
انقشع الضباب عن عيني الناعستين تلفتُ حولي مبهوتاً أبحث عن مدن خلتها انعطافاً حقيقياً لمصير مشرق.
(أين أنا؟)
تضحك لبيبة بعد أن ختمت قراءة المعوذتين:
(أنت في بيتك)
(أين كتيبة الموت؟ غزة، المقهى، القدس)
ربتت لبيبة على كتفي مدهوشة:
(يبدو أن عقلك الباطن قد التقط المشهد الدموي الذي شاهدته في التلفاز ليلة أمس فكان هذا الكابوس
انهض عزيزي لتشرب قهوتك).
تركت سريري محبطاً وكأني أجتث حالة صحوة أو هزة ضمير خفت لها روحي إلى سماء الأحرار، ليتني ما صحوت، فإن الصحوة عودة إلى دنيا الأموات ورجعة إلى أرض الغابة حيث انسلاخ الضمير واستلاب الإرادة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
روآية رَشفَة ضَمير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
¨°•√♥ منتديات الأصدقاء ♥√•°¨ :: الاصدقاء الأدبي :: حكايا الأصدقاء-
انتقل الى: